انتو وين .. والدنيا وين ؟
كانت السياسة الأردنية ( والفلسطينية) تغضبني؛ الآن تضحكني .. انتو وين والدنيا وين؟
ما يزال سياسيو الشام الجنوبية، غافلين عما يحدث في العالم ، وفي الإقليم، وفي الشام الشمالية. أعرف أنهم تربوا في ظلال القطب الأميركي الواحد والرعب من إسرائيل، وأدرك نزعاتهم النيوليبرالية التي تخطاها الزمن، وأوهامهم حول الحل السلمي والاستثمارات الأجنبية والكونفدرالية الخ، غير أنني، مع ذلك، أتوخّى أن يتجه الجادّون منهم إلى التفكير بالمتغيّرات الحاصلة، وتفاعلاتها اللاحقة.
لم يعد العالم أميركيا، بل متعدد الأقطاب. هذا عصي على تصديق سياسيينا. وعلى سبيل المثال، عندما أرادت عمان الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بشأن اللاجئين السوريين، قام وزير الخارجية، ناصر جودة، بالاتصالات اللازمة مع الأصدقاء والحلفاء، إنما اتصل، أيضا، بوزير خارجية الاتحاد الروسي، سيرغي لافروف. وقد نهاه الأخير عن هذه المحاولة. ومع ذلك، ظلت الحكومة الأردنية مصرة على خطوتها التي باءت، بالطبع، بالفشل ؛ فلم يعد هناك شيء يمرّ في مجلس الأمن أو في السياسة الدولية من دون موافقة الروس. لكن أحدا لم يقرأ درس الفشل.
سرنا وراء واشنطن والخليج نحو التورّط في سوريا، وأصبح هذا التورط كثيفا وعلنيا، في ربع الساعة الأخير قبل انحناء واشنطن، وقرارها الاستدارة 180 درجة نحو التفاهم مع موسكو. في الواقع، استخدمونا كورقة هامشية للتصعيد في اللحظة التي كان فيها النظام السوري، ومن ورائه حلف دولي وإقليمي، يستعد للحسم. وقد بدأ. أذكركم بأنكم كنتم بدأتم، قبل شهرين، تتحدثون عن الطريق المفتوح نحو دمشق! كوبوي وعمليات أمنية ومئات المدربين .. ومجلس عسكري في درعا ... صدقنا أن تلك اللعبة حاسمة.
بجدّ أسأل : ماذا تعرفون عن سورية والمجتمع السوري والنظام السوري والجيش السوري ؟ تبيّن أنكم خارج المعرفة والمعلومات والبثّ. سورية عصية بتركيبتها وقوتها وذاتها، عن الانهيار، فما بالكم وأنها جوهرة موسكو وطهران وحزب الله؟
بجدّ أسأل عما تعرفون، خصوصا وأنكم تباريتم في التحليلات الاقتصادية والمالية التي كانت تجزم بأن النظام السوري لا يستطيع أن يستمر ماليا؛ لن أحدثكم عن بنية الاقتصاد السوري ـ فهذا كلام يطول ـ أحدثكم عن سقوف التسهيلات المالية، بالمليارات، الممنوحة من طهران لدمشق.
النظام السوري سوف يحسم عسكريا وأمنيا، والتسوية الممكنة هي أنه سيوسع صفوفه لتشمل المعارضة / الموالية، لكن كل من تراهنون عليهم سيذهبون إلى سلّة المهملات؛ ليس في سورية مكان لكل من تعاون مع الأجنبي أو خان الجيش العربي السوري... وليس في سورية مكان للإخوان أو السلفيين، ولن يكون فيها مكان للنيوليبراليين. ليس هذا ما يريده الرئيس بشار الأسد فقط، بل وما يتطلع إليه، أيضا، الرئيس فلادمير بوتين.
وسورية ذاهبة نحو المقاومة في الجولان. أعرف أنكم حين قرأتم ذلك تبسمتم. أفضّل أن تتحسبوا؛ هذا قرار استراتيجي متخذ على مستوى إقليمي وبمباركة دولية. المشروع السوري للمقاومة يتجه إلى عمليات منخفضة المستوى وإنما حثيثة ( كما كان الحال في جنوب لبنان قبل 2000) وستكون إسرائيل أمام خيارين: القبول بحالة الاشتباكات الموضعية المستمرة مما سيفرض عليها، في النهاية، الانسحاب بلا اتفاقية من الجولان المحتل، أو الذهاب إلى الحرب، الحرب ستكون إقليمية شاملة تمتد من جنوب لبنان إلى الجولان إلى تل أبيب والخليج. وما لا تستطيعون تخيّله الآن أن إسرائيل ستخسر أي حرب إقليمية ستنشب من الآن وصاعدا.
الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة صوب أعماق آسيا، ومشروعها التركي القطري الإخواني، سقط في الفشل، وأنهاه السلفيون الجهاديون. السعودية في مأزق، وإسرائيل في حالة انعدام الوزن الاستراتيجي؛ لم يعد لها مستقبل، أم أنكم تصدقون جون ماكين؟ |
||