الصندوق الأسود والعدوان والعنف الوصفة والعلاج
الذين أتيحت لهم الفرصة لدراسة علم النفس والوقوف عند سيجموند فرويد، او المرور السريع عليهما، يعرفون عن الشعور أو العقل الواعي، واللاشعور أو العقل الباطن، وأن سلوك الإنسان من أي مستوى أو شكل، يصدر عن حاجة أو حاجات أو دوافع : بيولوجية كما الدافع إلى الأكل والشرب، أو ثقافية (خبرات مشتركة) او عن خبرة شخصية. ويبين فرويد على نحو بليغ أن الناس يتبنون – على نحو بارز – عدداً من الحيل النفسية او المكيانيكيات للتغطية على دوافعهم وحماية أنفسهم من العقاب سواء أكان معنوياً أو مادياً. إن سبعة من هذه الحيل أو الميكانيكيات معروفة كما يفيد أستاذ علم النفس الشهير أدريان فيرنهام، وزميله جون تايلور في كتابهما المشترك:(The Dark Side of Behavior at Work, 2004) (بتصرف) وهي:
1- الإسقاط: ويتجلى حين ينسب المرء مشاعره غير المقبولة إلى الآخر. ومن ذلك أن يعاني من مشاعر جنسية متأججة نحو المرأة كما المنتمين الى طالبان والقاعدة وأشكالهما...ثم يتهمونها بالتسبب فيها وأنها قذرة أو شبقة يجب قمعها من رأسها إلى أخمص قدمها. ويذكر المؤلفان أن بعض الثقافات تمأسس مثل هذا الإسقاط وما أكثر ما تفعل ثقافتنا الإسلامية. إن عقلية المؤامرة جزء من هذه الثقافة.
2- الكبت: ويكون حين يكبت المرء أو يكبح ذكرى أليمة أو مشاعر سلبية قوية، من الانتقال من اللاشعور أو الصندوق الأسود إلى الشعور أو العقل الواعي، فيبذل جهداً عقلياً مكثفاً لإبقائها في اللاشعور،ولكنه قلما ينجح في ذلك فيتسبب بعواقب خطرة عليه كما في حالة المكبوتين جنسياً الذين يفجرون هذا الكبت فيما يسمى بجرائم الشرف، وكما في حالة القتلة الذين يحاولون كبح مشاعرهم تجاه بشاعة جرائمهم (وكذلك الذين يعرفون عنها) ليستريحوا من عبئها،وما هم بقادرين. ويطالعنا الإعلام بمثل ذلك عندما يتقدم (القاتل) الى المخفر او المدعي العام معترفاً بجريمته التي ظلت لغزاً،أو الشاهد الأخ أو الأخت أو الزوجة... إلى المخفر أو المدعي العام لكشف جريمة أبيه أو أخيه...
3- النكوص او الانكفاء: يرى فرويد أن شخصية المرء تمر في سلسلة من مراحل النمو نحو النضج الجسمي والعقلي، وأن كل حلقة منها تحمل في طياتها قدراً من الإحباط والقلق، وأن النمو السليم قد يتعطل مؤقتاً أو بصورة دائمة إذا تعاظما. وإن النمو قد يثبت على مرحلة ما من مثل اعتماد الطفل على الغير. فإذا تعرض لصدمة في الكبر فإنه قد ينكص او ينكفئ الى تلك المرحلة، فيمص أصابعه أو يعض أظافره كالأطفال ولا يؤدي عملاً دون طلب المعونة من الآخرين كالوالدين او الاخوة...لعل النكوص حالة أردنية لأن طالب/ة الجامعة والشاب/ة يظل كالطفل معتمداً على والديه في مصروفه الشخصي ثم فيما بعد على الدولة بدلاً من العمل والاعتماد على النفس كما الطلبة والشباب في الخليل وسورية - مثلاً - والغرب .
4- العكس: ويعني تحويل المشاعر المنتجة للقلق اللاشعوري الى عكسها في الشعور او العقل الواعي فشديد الكراهية يظهر اللطف والمحبة وقد يتطرف فيهما. والمتعصب يظهر التسامح وقد يتطرف في ذلك.والفاسد قد يتطرف في العمل الخيري، والمستبد يظهر الديموقراطية وقد يتطرف في ذلك، والمدعي للإنتماء والولاء الشديدين بالاعتداء على المعارضة، والذي يناقض حديثه في الميكرفون حديثه في الصالون. تنطبق هذه الحيلة على المنافقين ، فهم مرضى نفسياً، ويخفون مشاعرهم الحقيقية بالنفاق. وما أكثرهم في الإعلام الأردني!
5- الإنكار: فالناس – إجمالاً – يرفضون وبكل بساطة الاعتراف بسوء ما يفعلون وبانعدام فائدته أي لا يعترفون بأفكارهم وسلوكاتهم الشريرة وبحقيقتهما وبما يؤمنون فعلاً به. وهنا أطلب من القارئ التفكير في إنكار الفاسدين لفسادهم ، وفي أعمال التخريب والعنف التي تجري في البلاد، وكيف ينكر المشاركون فيها مسؤوليتهم عنها.
6- التذاكي والتبرير وهما حيلة او ميكانيكا دفاعية (عالية) المستوى لاعتمادها على مجموعة عقلية مركبة، فالتذاكي هو السيطرة اللاشعورية على العواطف والمشاعر والدوافع والنزوات الدفينة بالاعتماد المفرط على التفسير العقلاني للمواقف والظروف والأحداث. ويختلق بالتبرير أعذاراً لعقلنة أفعاله التي تتسبب بها عواطفه او مشاعره المكبوتة غير المقبولة. إن بعض المتذاكين مفذلك جداً في ذلك حتى لتكاد تصدقهم. إنه من المؤسف حقاً فبركة هؤلاء الأذكياء او الشاطرين نظريات مثيرة للإعجاب ولكنها زائفة لتفسير أعمالهم أو قراراتهم أو سلوكاتهم.
7- الاستبدال أو التعويض: وهو سلوك يلجأ إليه كثير من الناس للتعبير عن مشاعرهم الدفينة او الحبيسة (الغضب عادة) على الأشياء أو الحيوانات أو الآخرين الأبرياء الذين ليس لهم علاقة بالموضوع، فيصفقون الباب، او يكسرون التلفزيون، او الصحون أو يعتدون على الممتلكات العامة والخاصة... أو على الناس كما يحدث في الجامعات والطوشات... إنهم يلجأون إلى ذلك عندما يكون الموضوع الحقيقي للمشاعر شديد الخطر عليهم، او مهدداً لهم بمواجهته مباشرة فيبحثون عن كبش فداء يفرغون فيه غضبهم .
لعل هذه الحيل – بعضها أو كلها – الكامنة في العقل الباطن او الصندوق الأسود تفسر كثيراً من حوادث التخريب والعنف، ولكنها لا تكشف عن المدخلات الأسرية والمدرسية والجامعية والإعلامية والدينية والسياسية... التي تتسبب بنشوء هذه الدوافع هذه الحيل اللاشعورية أو الميكانيكيات الدفاعية عند الأطفال والتلاميذ والطلبة وبقية الناس، مع أنه يجري ذكرها أو التنبيه إليها على يد عدد غير قليل من المفكرين والعلماء والكتاب...مما يستدعي لشفاء الناس منها علاج أصحابها نفسياً بما في ذلك علاج الأسرة والمدرسة والجامعة والإعلام لنقل الدوافع والمدخلات من اللاشعور إلى الشعور.