وصلت رسالة المحتجين.. ماذا بعد؟

 

تشهد الساحة السياسية الأردنية حراكاً ساخناً على المستويات الشعبية والنيابية والحكومية، عبر فيه كل مستوى عن مشاعره ومواقفه وتطلعاته.

 

الحراك الشعبي جاء بمبادرة من مجموعات من اليسار غير البرلماني ونشطاء من المعارضة الراديكالية، فرض ايقاعاً بمطالب سياسية، بسقف نقدي عالٍ، وبمطالب تعدت الاحتجاج على غلاء الأسعار الى المطالبة برحيل الحكومة ومجلس النواب.

 

وأعطت مشاركة الحركة الاسلامية وحلفائها المتحفزين للمعارضة والعودة الى الواجهة السياسية، زخماً وامتداداً اوسع للتحركات الشعبية.

 

مجلس النواب وجد نفسه في موقع حرج، بعد الثقة العالية التي منحها للحكومة وتعرضه الى نقد إعلامي عنيف، بدد الآمال بظهوره كقوة فاعلة ومستقلة ولو نسبياً في المشهد السياسي. فقام بخطوة رقابية بمبادرة من النواب الذين منحوا الثقة للحكومة من خلال طلبات "المناقشة العامة" للأسعار وآلية تسعير المحروقات، للضغط على الحكومة لتقوم بإجراءات عملية للتخفيف من وطأة الغلاء وضنك العيش الذي لف قطاعات واسعة من المواطنين، أعقبها برد ثلاثة قوانين أرادتها الحكومة ودافعت عنها.

 

وعلى الجهة الحكومية، جاءت توجيهات جلالة الملك لتدفع الحكومة لاتخاذ إجراءات عملية محددة للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار، اعقبتها بزيادة مقدارها عشرون دينارا للعاملين والمتقاعدين في القطاع العام.

 

وفي السلوك العام، تصرفت الحكومة ببعد نظر في التعامل مع مظاهر الاحتجاجات الشعبية والحزبية، ولم تمنعها، مع أنها غير مرخصة بمنظار قانون الاجتماعات العامة. وأكثر من ذلك وزعت من خلال رجال الأمن الامن، المياه والعصائر على المحتجين، في خطوة ذكية عبرت من خلالها عن "تفهمها" لدوافع الاحتجاج، وأرادت ان تعكس ثقة عالية بالنفس.

 

لم تظهر الحكومة تشنجاً إزاء مظاهر الاحتجاج التي انطلقت في أكثر من مدينة، رغم قسوة الشعارات التي رددها جمهور المعارضة، بتلاوينها وسقوفها السياسية المتباينة، ما ساعدها على فتح أقنية الحوار مع الأحزاب المرخصة على اختلافها. فكان الاختراق الأول من وزارة الداخلية بلقاء جمع وزير الداخلية مع أمناء الأحزاب، طالبت فيه الأحزاب بالحوار. وتحدثت أحزاب المعارضة بغير لغة المظاهرات والاحتجاجات. وتلا لقاء الداخلية مناظرة بين نائب رئيس الحكومة أيمن الصفدي وأمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي على شاشة التلفزيون الاردني خلت من الدعوة لرحيل الحكومة أو مجلس النواب.

 

التطورات التي شهدتها الساحة السياسية المحلية خلال الشهر الأخير، عكست نضجاً عند مثلث المعادلة السياسية الاردنية: الأحزاب والبرلمان والحكومة. ولا تغير من حقيقة المشهد، الشعارات العنيفة التي رددها جمهور المعارضة ضد الحكومة ومجلس النواب، ولا بعض السلوكيات الفردية من النواب.

 

لقد حقق الوطن مكسبا صافيا في التعامل الرسمي الإيجابي والحضاري مع حالة الاحتقان الشعبي وتجاوب البرلمان والحكومة معها، كل على طريقته.

 

لقد وصلت الرسالة التي نجحت قوى المعارضة في إيصالها بقوة لكل الجهات، وستكون لها اثار ايجابية على السلوك والممارسات والقرارات الحكومية والبرلمانية مستقبلا.

 

لقد حفزت التحركات الشعبية بطريقتها السلمية والحضارية، الحكومة والبرلمان لتغيير ايجابي في الأداء. الحكومة، وإن كانت مطمئنة إلى استمرارها في إدارة دفة الحكم، فهي تتعرض إلى ضغوطات وتحديات كبيرة من البرلمان والشارع الذي يرقب المشهد وينتظر تغيرا جديا في السياسات الحكومية، تحديدا في ملفات الإصلاح السياسي والتخفيف من وطأة الوضع الاقتصادي وملف مكافحة الفساد.

 

وبالقدر الذي تمضي فيه الحكومة قدما لتحقيق نقاط إيجابية في هذه الملفات الشائكة، سيطول عمر الحكومة. العلاقة الإيجابية بين الحكومة والبرلمان، لن تدوم بفعل الثقة العالية التي نالتها الحكومة. وعلى الحكومة ان تظل يقظة في علاقتها مع البرلمان ومنفتحة على كل مكوناته، لأن رحيلها لن يكون على يد أحزاب المعارضة، مهما صعّدت، بل على يد البرلمان الذي يمكن أن يشل عملها. وهذا ليس ببعيد عن هذا البرلمان الذي يكتسب الخبرة سريعا في طريقة التعامل مع الحكومة واظهار إرادته السياسية.

 

والحال هذه!!

 

فلا بديل من إقامة حوار وطني مسؤول بين أطراف المثلث الوطني: حكومة وبرلمان ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب. وللحوار أشكال وقنوات يمكن البحث فيها.