المناظرات بين الجدوى وضياع الوقت

 

تابع مشاهدو الشاشة الصغيرة المناظرة التلفزيونية بين الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي حمزة منصور ونائب رئيس الوزراء الناطق الإعلامي باسم الحكومة أيمن الصفدي، وحملت في طياتها كثيرا من الأفكار المهمة وحرية الرأي في الطرح كانت مشاكل أم حلول.

المناظرة تأتي أهميتها بالتزامن مع حركات احتجاجية واسعة على الغلاء، وسياسات الحكومات المتعاقبة والحالية، لذلك تقرأ في اتجاهين الأول: أن الحكومة تحت ضغط غير مسبوق ليستضيف التلفزيون الرسمي أحد رموز المعارضة البارزين منصور، والثاني أن ذلك نهج جديد تستشعر أهميته الحكومة، وسيكون بداية لحوارات ونقاشات موسعة مع المعارضة في البلاد.

تلك اللقاءات إن تكررت وتناوب المتحاورون واتجهت نحو كثافة النقاش وطرح جديد من الأفكار يمكن أن تكون نهجا وقاعدة معلومات يستقي منها صاحب القرار ما هو مفيد، في المقابل تعبر عن شريحة كبرى من الأغلبية الصامتة التي ترغب بالإفصاح، فيحل المناظر محلها ويبدي برأيها.

لكن، إن تحولت تلك المناظرات إلى تعبئة فراغ، وخلت من وقائع ومعطيات، فإنها ستفقد جدواها وتصبح مضيعة للوقت، وسيتم طويها كأي صفحة سابقة طوتها الحكومات بعد أن فتحت أبواب حوار وعادت لتغلقه من جديد.

المشاهد العربي اعتاد على مناظرات لم تخرج عن سياق حوارات الأديان أو تلك التي تتعلق بالمذاهب "السني والشيعي"، وعلى أهميتها إلا أن المكاشفة والمصارحة والنقاش المستفيض بما يتعلق بالشأن العام وحياة أهل البلد له أهمية بمكان، خصوصا إذا كان المتحاوران حكومة ومعارضة.

ونستذكر تلك المناظرة ما بين رئيس مجلس النواب السابق -أمين عام حزب التيار الوطني المقرب من الحكومة عبدالهادي المجالي، ورئيس مجلس النواب السابق أيضا والقيادي في الحركة الإسلامية عبداللطيف عربيات والمحسوب على المعارضة عندما ناقشا الحياة الحزبية في البلاد.

في الغرب، تشكل المناظرات منعطفات مهمة في تحريك الرأي العام تجاه المسؤول الفلاني أو الرئيس المرشح، إذ أحيانا رجحت كفة أحد المرشحين الذي أصبح خيارا للناخبين كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.

ويستقي الباحثون ورؤساء مراكز الدراسات والاستطلاع معلوماتهم من تلك المناظرات في مسوحاتهم المقبلة، كذلك يرى أصحاب القرار وواضعو السياسات مبتغاهم للمعلومات التي يحتاجونها لدراسة الواقع أم لوضع استراتيجيات مقبلة.

المناظرات في بلادنا ما تزال مولود جديد يحتاج للرعاية كما هي الاحتجاجات التي بدأت تأخذ النهج الصحيح وتعبر عن ذاتها دون شغب أو انتهاكات.

فلم تعد نظرية المؤامرة مقبولة لدى الشعب، ولا مصطلح المندسين والجهات المشبوهة تجدي في إقصاء الآخر، فسماع الرأي الآخر وطرح الحجج هو وحده الكفيل بنزع فتيل أزمة بدأت باحتجاجات في الشارع، ولا نعلم إلى أين سينتهي.