لماذا الاستثناءات في مشروع قانون الكسب غير المشروع؟

إنّ سن تشريعات متصلة بالكسب غير المشروع أو ما اصطلح على تسميته «من أين لك هذا» يشكّل مظهرا ديمقراطيا محترما لما تعززه مثل هذه المنظومة من التشريعات لقيم الشفافية والمساءلة للموظفين العامين، منتخبين أم معينين، الذين ينخرطون في أفعال وسلوكيات واستخدام صلاحيات يتم من خلالها التربح والإثراء الشخصي. وقد شهد موضوع تبنّي هكذا قوانين مدا وجزرا وتأييدا نظريا وعلنيا من قبل جهات ومراكز قوى في الدولة الأردنية لوجود هكذا قانون في الوقت الذي تم وما زال يتم معارضته وإعاقته عمليا من ذات الشخوص في الخفاء وبعيدا عن عدسات الكاميرات.   
جاء في مشروع القانون أنّه «يعتبر كسبا غير مشروع كل مال منقول أو غير منقول يحصل عليه أيّ شخص تسري عليه أحكام هذا القانون لنفسه أو لغيره بسبب استغلال منصبه أو وظيفته أو المركز الذي يشغله، وكل زيادة تطرأ على المال المنقول أو غير المنقول له أو لزوجه أو أولاده القصر، وذلك أثناء إشغاله للمنصب أو الوظيفة إذا كانت هذه الزيادة لا تتناسب مع مواردهم المالية وعجز عن إثبات مصدر مشروع لتلك الزيادة». حدد المشروع الذي تم إقراره من قبل مجلس النواب بتاريخ 15/5/2013 الجهات المشمولة بأحكامه من العاملين والسابقين من حملة الدرجات العليا والأعيان والنواب والوزراء ومدراء الأجهزة الأمنية والعسكرية ورئيس الديوان الملكي وناظر الخاصة الملكية ورئيس التشريفات الملكية ورئيس الوزراء والوزراء ومحافظ البنك المركزي ونوابه والقضاة ورؤساء مجالس المفوضين وأعضائها ورؤساء المؤسسات الرسمية العامة المدنية والعسكرية والأمنية ومديريها وأعضاء مجالس إدارتها ورؤساء الجامعات الرسمية والسفراء وغيرهم.
أتساءل وربما يتساءل معي بعض الأردنيين عن المسوغات القانونية والسياسية لاستثناء الملك وولي العهد وربما أعضاء الأسرة المالكة ممّن يمكنهم التأثير على اتجاه ومجريات اتخاذ القرارات الرسمية من قبل الموظفين العامين من الخضوع لهذا القانون! نحن نعلم أنّ كثير من القرارات الرئيسية التي يتخذها كبار المسؤولين ابتداء من رئيس الديوان الملكي أو ناظر الخاصة الملكية أو رئيس الوزراء والوزراء وبالذات وزراء الداخلية والخارجية والتخطيط ومدراء الأجهزة العسكرية والأمنية تتأثر بتوجيهات الملك وأوامره غير الخطية، حيث يقوم هؤلاء الموظفون بتنفيذ هذه التوجيهات والأوامر مع كل ما يمكن أن يكتنف ذلك من إمكانية استغلال السلطات والصلاحيات للتربح وتحقيق مصالح ومكاسب خاصة، فهل يمكن محاسبة ومساءلة هؤلاء إذا تذرّعوا بتلقي أوامر من القيادة السياسية بخصوص الإجراءات التي اتخذوها؟ صحيح أنّ الدستور يحمل المسؤولين تبعات قراراتهم وإن تم تلقي تعليمات شفوية من الملك أو غيره فإنّ ذلك لا يعفي هؤلاء المسؤولين من تحمل مسؤوليات قراراتهم ولكني هنا أتحدث عمليا وواقعيا من يستطيع مساءلة مثل هؤلاء الشخوص إذا اتكؤوا على الملك أو استثمروا في علاقاتهم بالقصر أو بأعضاء الأسرة المالكة؟ وهل نثق تماما بأنّ أحكاما قضائية صارمة يمكن أن تصدر بحق من يثبت تربحه واستغلاله لصلاحياته الرسمية إذا كان هناك رغبة ملكية بغير ذلك أو تعاطفا من قبل القصر مع شخص تم توجيهه لاتخاذ قرارات باتجاه معين ليثبت بعدها تنفعه جزئيا أو كليا من ذلك القرار؟
السؤال الأهم ما دام أنّ الملك، وبحكم الدستور، هو الرئيس الأعلى للجيش والأجهزة الأمنية وهو فعليا، وباعتراف وزير الخارجية ناصر جودة، من يضع
 السياسة الخارجية، وهو من يأمر بفتح الطرق والعيادات والمستشفيات وإنشاء الجامعات والإسكانات، فلماذا تم استثناؤه من قانون الكسب غير المشروع وضرورة الإفصاح عن ثروته وممتلكاته المنقولة وغير المنقولة داخل المملكة وخارجها؟ وما يضير الملك من الإفصاح عن حجم ومصادر ثرواته وممتلكاته التي لا نعرف عنها شيئا في الوقت الذي يعلن رؤساء معظم الدول الديمقراطية عن ثرواتهم فورا تسلمهم مهامهم الدستورية؟ ولماذا التعتيم على مسألة من هذا النوع ليترك للمواطن الأردني أن يستقي مثل هذه المعلومات من مصادر خارجية تتولّى حصر ثروات القادة والملوك مع كل ما يمكن أن يكتنف ذلك من المبالغات والتشهير أحيانا! أليس من الأولى أن يقوم الشخص الأول في الأردن وهو من يتولّى قيادته بأن يكون مثالا يحتذى من قبل المسؤولين والمواطنين وذلك بإفصاحه عن ثرواته ومصادرها؟ كم سيكون لذلك من تأثير إيجابي على الموظفين العامين وعلى المواطنين كافة!
أنا أدعو الملك إلى عدم الموافقة على مشروع قانون الكسب غير المشروع في حالة رفعه إليه من مجلس الأعيان وردّه إلى البرلمان والتوجيه بإضافة موقع ملك البلاد وولي عهده وأسرتيهما إلى قائمة المواقع والأطراف المشمولة بالمساءلة عن مصادر ثرواتها، كما أنّه لا بد من وجود نص يبرر مساءلة الأمراء وأعضاء الأسرة المالكة ممّن لا يشغلون مواقع رسمية في الدولة ولكن يلحظ عليهم انتفاخ وتضخم ثرواتهم نتيجة استفادتهم واستثمارهم في انتسابهم للأسرة المالكة وشبهات ممارستهم التأثير على أصحاب القرار من المسؤولين والموظفين العامين. إنّ اتخاذ الملك لمثل هذه الخطوات سيكون له بالتأكيد وقع طيب على مشاعر المواطنين ناهيك من تأثيره في تجذير الشفافية والمساءلة لمن يشغلون مواقع عامة في الدولة الأردنية، كما أنّ ذلك سيحدّ من تدخل بعض أعضاء الأسرة الملكية والأمراء في قرارات المسؤولين التي يمكن أن يتحقق من جرّائها نفعا لكل من هؤلاء الأمراء والمسؤولين.