الشعب يئن والحكومة لا تمل !!!

( البوعزيزي إحترق إحتراقاً والعرب يحترقون إغتراقاً )

ها قد إنقشعت وولت تلك الغيمة السوداء التي كانت تشير بإصبعها إلى شعبنا بوصفه أبكم لا يقوى على الكلام ، ويخشى من قول الحقيقة المرة التي يعاني منها غالبيته ، فقد كانت والجميع يشاركني الرأي ثورة تونس الحبيبة دافعاً مشجعاً للشعوب لكي تنطق وتخرج عن صمتها ، وإن إختلفت طرق التعبير فمقدمة ثورتهم كانت بإحتراق جسد البوعزيزي كحالة رمزية إستولدت ثورة شعب ، والأمر عند بقية الشعوب قريب جداً إلا أن الأجساد والعقول تحترق بنيران التفكير بما آلت إليه ظروفهم المعيشية الحالية .

دعونا من القول المبهم الآن ولنكن متحدثين بكل صراحة عن واقعنا الذي نعيش به دون أي مساحيق تصر الحكومة على التمسك بها ، فمن المتعارف عليه أننا في هذا البلد الطيب نعاني من حالة إقتصادية صعبة ، ما زالت ذرائع الحكومة حول هذا البند ثابتة لم تتغير ولسان حالهم ينطق بأننا بلد فقير الموارد ... وتنتهي الحجة لنجيب عليهم بقبول الحجة التي أصبحت غير كافية ، علاوة على أن كل رئيس حكومة يجلس على كرسيه يحمل وزر فشل إدارته الى الحكومة السابقة ويصرون على قول كلمة تورثنا تورثنا ... ولا أحد منهم يعترف بسياسته الغير مجدية ، متناسين دورهم في توسيع دائرة القضاء على الطبقة الوسطى التي أصبحت غير موجودة بشكل حقيقي ، ويستفزك الناطق الأخير بإسم الحكومة برفضه القول بأن أكثر من نصف الشعب الاردني فقراء متنكرا من حقيقة تؤكد بأن معدل خط الفقر خمسمائة دينار فما دون ، وبالتالي يبدو أن أكثر من نصف الشعب الأردني فقير لأن معدل دخله تحت خط الفقر ووصل إلى حد القهر يا معالي الوزير .

الأمر واضح تماماً فالسياسة العامة الخفية الظاهرة تقتضي وفقاً لما فيه ثبات الصمت والتكتيم لأفواه الشعوب أن يتم تأسيس نظام إقتصادي متأرجح حسبما تقتضيه مصلحة الحكم الذي لا يتزحزح وبالتالي تفرج الأمور بصورة شبه حسنة إن حدث مجرد حراك شعبي أو غيره للمطالبة بالحقوق ، وهذا لن يتم إلا بصورة خذ وهات .. أي أنه مجرد ضحك على الذقون والأمثلة الواقعية خير شاهد ، والسياسة هي الهم الأكبر لكل حكومة تعاني الخلل وليست حكومة الرفاعي فقط لأن الرفاعيون كثر ومن هم على شاكلة نهج حكومته كثيرون لذلك تجدهم يظهرون الهبات حسب وجهة نظرهم عندما يشكون في ان كرسيهم الثمين سيصبح بالوناً طائراً يطير بهم إلى مكان آخر بعيد قد يسمى منفى ، وبناءا عليه يحاولون إيجاد مناخ ديمقراطي متكامل يحتوي على جميع الاركان المطلوبة ظاهراً فقط وأقرب الأمثلة هو ما نعيشه من مناخ ديمقراطي تتزين به الأجهزة الحكومية في كل مكان وزمان ، فالسلطة التشريعية حاضرة ولكنها في سجل الغائبين على قاموس الواقع فالممثلين للشعب حسب قولهم طبعاً جاءوا وفق نظام إنتخابي مبرمج يتم من خلاله الوصول لسلطة تشريعية على شاكلة دمى تسرح وتترح دون أن تنفع بل على العكس فهي ضارة لإنها جبلت بغير وجهها الحقيقي ، و لو أن الأمر غير ذلك وكانت حكومتنا صادقة بشفافيتها ونزاهتها لكانت أصدرت القرار بتشكيل هيئة مستقلة تعنى بأمر الإنتخاب والتمثيل بجميع مكوناته ، إلا أنها تصر على أن يبقى الحال كما هو ولتبقى سلطة المال وسلطة العشيرة هي المحرك الرئيسي فقط ، والإنتخابات الأخيرة خير شاهد على ذلك .

وحديثنا هنا قد يصعب أن يمر مرور الكرام دون الإلتفات للسلطة التنفيذية التي جاء الوقت لتقليص صلاحياتها لصالح السلطة التشريعية وبصورة متوازنة ، لان الأمر لم يعد يحتمل الصبر أكثر من ذلك ، وهذا بالطبع لن يتحقق إلا إن كانت سلطة التشريع هي سلطة ممثلة لصوت الشعب الأردني بشكل حقيقي ومعبر ، لا كما حدث في جلسة الثقة الأخيرة لحكومتنا التي سأطرح عليها مثالاً لأحد أصحاب السعادة أختم به حديث مقالتي ، وهي أمر واقع ومملوس لي شخصياً ، فالحكاية يا سادة تقول أن أحد أصحاب السعادة الجدد الحاليين هو أحد الذين تخرجت على أيديهم في الجامعة وقد كان معروفاً بنقده الجريء للسياسات الحكومية على المستوى الداخلي والخارجي ، فقد كان يمثل بالنسبة لي أنموذجاً يحتذى به لأنه يمثل نبض الصدق في التعبير لا المزاودة وبيع الوطنية على أعتاب الصحف الرسمية ، ولكن وللأسف الشديد فوجئت بجلسة الثقة المدفوعة الثمن المشهورة برقم مئة وأحدى عشر ، أنه كان من بين الذين منحوا الثقة بل وأضاف إليها الطبشة ، لأتأكد تماماً أن ضريبة السلطة في مقاييس حكومتنا ثمنها بات معروفاً ، واللبيب من الإشارة يفهم .