السلطة القضائيّة.. ما لها وما عليها


الجهاز القضائي في الأردن رمز للعدالة، ومفخرة لكل مواطن أردني. فمن يشعر بالغبن أو الظلم لا يتردد في التوجه إلى القضاء ليسترد حقه. والسلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا سلطان عليها إلا القانون. ولا أحد يشكك في نزاهة القضاء الأردني.
القضاة يطبقون القانون ولا يصنعونه. والقضاء ــ بشقّيْه: الإنسان والقانون ــ بحاجة إلى تطويرٍ وتحديثٍ؛ شأنه في ذلك شأن السلطتيْن التنفيذية والتشريعية. فالأحداث التي نشهدها حاليًا، وتنوع متطلبات الحياة وتعددها واختلافها، سبّبت مشكلات وقضايا بحجم هذا التنوع والتعدد. لذلك، فرضت علينا تطورًا وتغيرًا في القوانين الناظمة، وفي مَنْ يطبقها.
من باب الانتقاد البنّاء والحرص على كفاءة القضاء، نوجه بعض الملاحظات التي نلمسها في حياتنا اليومية والمتعلقة بهذا الموضوع. فمَن يصل إلى درجة "قاضٍ"، يَعني أنه وصل إلى درجة الأستاذية في تطبيق القانون. ودرجة الأستاذية في المجال الأكاديميّ تحتاج إلى سنواتٍ طويلة تتجاوز العشر سنوات من العمل المتميز والخبرات التراكمية. لذلك، من الصعب أن يصلها الفرد دون سن الثلاثين. لكننا نجد قضاة عندنا لم يبلغوا سن الثلاثين، ويمارسون عملهم في المحاكم. ونجد أيضًا رئيس محكمة في منطقة ما دون هذه السنّ. كذلك، من المؤكد أن القاضي يحتاج إلى دراسة وتدريب يتجاوز دبلوم المعهد القضائي لبناء كفاءة عالية تناسب المهنة.
بعض الأصدقاء الأجانب الذين زاروا الأردن لتدريب بعض القضاة ذكروا لي أنّ الكثير من القضاة والمحامين لا يجيدون استخدام اللغة الإنجليزية، كتابةً ومحادثةً. وهذه نقيصة تحدّ من كفاءة القاضي، ومن سعيه إلى التطوير والتحديث. كما أن تشابك القضايا وتداخل التخصصات يتطلب تراكمًا معرفيًا، واطلاعًا على ثقافات أخرى لبناء قدرته على التشخيص؛ تمامًا كقدرة الطبيب على تشخيص المرض. فالطبيب غير المواظب على بناء المعرفة والاطلاع على كل جديد لا يستطيع التشخيص المبكر للداء، ولا اختيار الدواء المناسب له.
هناك المئات من القضايا التي تنتظر في أروقة المحاكم. ولا يتناسب هذا الكم من القضايا مع عدد القضاة عمومًا في المملكة، ومع خبراتهم وتخصصاتهم. فهيئة مكافحة الفساد تحيل قضايا الفساد إلى القضاء بالجملة، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، والخلل في تشريع بعض القوانين، أفرز قضايا متنوعة لا حصر لها. لذلك، لا نعجب من تأخير هذه القضايا وبقائها في المحاكم لسنوات. وهكذا يتعطل إنصاف المواطن ويتأخّر استرداده لحقوقه. كما أن الحكم أحيانًا لا يكون منصفًا نتيجةً لعدم خبرة القاضي في موضوع القضية التي يتطلب منه الحكم عليها استنادًا إلى القانون.
التعاون بين السلطات الثلاث ضروري؛ ولا يجوز أن تتغوّل سلطة على الأخرى. والخلل أو الضعف في عمل إحدى السلطات لا بد أن ينعكس على دور غيرها من السلطات. لذلك أصبح لزامًا معالجة قضية اعتصام موظفي المحاكم في قصر العدل بحكمة، من دون تصعيد أو تعنّت. وكان الأجدى تشخيص المشكلة ومعالجتها في مراحلها المبكرة قبل أن تصل إلى مرحلة تدخّل الجهاز الأمني وقوات الدرك. فالاحتقان على أشده، خاصة بعد انضمام نقابة المحامين إلى الاعتصام، وتأييدها لمطالب موظفي المحاكم، ورفضها المساس باستقلالية القضاء. التعنت، وتعطيل العمل، وسياسة ليّ الذراع، هي السائدة في أداء السلطات الثلاث هذه الأيام؛ والمواطن الغلبان هو الضحية في "دولة القانون والمؤسسات"!
التعليم والقضاء ركيزتان أساسيتان في بناء الدولة وتحولها الديمقراطي، وفي تحقيق التنمية المستدامة. فهل السلطات الثلاث واعية لهذا الأمر وتسير على الدرب الصحيح؟!