حازم عواد المجالي يكتب :ما بعد سمير اهم من ذهاب سمير
ما بعد سمير أهم من ذهاب سمير
حين قرأت خبر رفض غسان بن جدو الإعلامي التونسي العربي الكبير تولي منصب وزاري في الحكومة التونسية الحالية, وأعلم يقينا أن بن جدو ليس بجبان, وتجاربه ومواقفه السابقة تؤكد هذا الشيء, ولكن ما منع بن جدو من تولي أي منصب وزاري ليس عدم مقدرته اعتقادا مني, ولكن لأن الأمانة كبيرة, ولان المسؤولية في هذا الظرف ستكون صعبة وحادة, ولعل رفضه إياها مقتنعا انه لا يصلح لهذه الفترة ولأنه لا يريد ان يدخل في حسابات وأمور قد يزيد تدخله إياها تعقيدا, وقد يكون يرى انه لا يملك ما يقدمه الان, لذلك لم ينظر الى اللقب والى الامتيازات والمصلحة الشخصية وإنما حصر نفسه بما يستطيع تقديمه لامته و وطنه فقط, قد يقول البعض جبنا او تخاذلا ولكن تجارب الرجل وسيرته تنفي ذلك كليا, هذا موقف نراه نادرا من أشخاص مفكرين يوزنون الأمور بموازين العقل والمنطق السليم.
إسقاطا لخبر بن جدو ورفضه تولي الوزارة على حالنا و واقعنا السياسي في الاردن, أرى ان المصفوفة متشابهة الى حد كبير في الفكرة وليس في التطبيق, الفكرة التي تقول ان المنصب الحكومي يجب ان يكون هما وطنيا كبيرا, وأمانة صعب حملها إلا لمن كان قادرا عليها, وليس استحقاقا او وراثة او تفاخرا او رغبة في نيل لقب ما, لو نظر كل مواطن حين تعرض عليه المسؤولية بهذه النظرة لرفض اغلبهم تولي أي منصب أبدا, لو حسب كل مواطن قدراته وإمكانياته بحساب المنصب المعروض عليه, لرأينا بن جدو الكثير لدينا, اعلم ان هنالك بضع حالات حصلت في الاردن, ولكنني متأكدا أنها لم تحصل البتة من منظور عدم القدرة على القيام بالواجب على أكمل وجه, وإنما حصلت لحسابات ضيقة ضمن المنظور الشخصي الخاص بالرافض والخاص بالعارض.
سمير سيذهب لا محالة, فلو دامت لغيره ما آلت إليه, وسيأتي بعده سمير آخر, و أتخيلنا أننا سنفرح كثيرا حينها ونصفق لرحيل سمير ونصفق لقدوم او عودة زيد, ونبارك ونهنئ ونتمنى من الجديد ونطلب منه ونسمع الوعود تلو الوعود, حتى نصل الى مرحلة جديدة قديمة يعود فيها أتباع سمير وما قبل سمير و زيد آخر ليعلنوا المظاهرات والمسيرات ويطالبون بالرحيل والمغادرة, حلقة دائرية مفرغة لن تنتهي في ظل التفكير السطحي الموجود حاليا, اذا ما الحل وما الأسلوب وما المخرج لكل هذا؟؟, وكيف نصل الى مرحلة تجعل من يأتي يكون راغبا وقادرا على العمل فان أفلس خرج مودعا معتذرا بكل صراحة وشفافية, ومتى سنرى مظاهرة يوما تطالب ببقاء احد في مكانه ممن يكلفون لخدمتنا, متى؟؟؟.
سميرا سيذهب لا محالة ولكن ماذا بعد سمير؟, كيف نسخر هذه الرفضة والغضبة الشعبية العارمة لتكون نبراسا لقادم الأيام ورياح المستقبل؟, كيف نؤسس فكرا جيدا متوازنا مستغلين ما وصلنا إليه من قوة وحرية في الطرح؟, الشارع دائما هو الميزان الحقيقي لأداء المسئولين جميعا, وبالتالي يجب ان يكون الشارع ايضا هو الحكم وهو الغاية في الإرضاء بالدرجة الأولى, ويجب ان يكون الشارع مرعبا مخيفا لأي مسئول قد يعرض عليه منصبا عاما, لتكن عملية تكليف أي مواطن برئاسة الوزراء أمرا صعبا عليه وشاقا, ويحسب لموافقته عليها ألف حساب, وبدلا من ان يفرح ويفاخر, يجب ان يقطب حاجبيه ويغلق على شفتيه و يمنع الابتسامة من الظهور, يكتم أنفاسه ويدعو ربه بان يعينه على حمله, يعود الى بيت فيكون أول اجتماع بعد قسم اليمين, يطلب من أهله جميعا ان يحسبوا كم لديهم من الأموال والأملاك, يوصيهم بقوة ان يلتزموا الصمت, حتى قد تصل به ان يطلب منهم عدم الخروج من البيت, نعم وكيف لا فهو أصبح رئيسا للوزراء والشارع كله الان يراقبه, الشعب كله الان يحاسبه, الوضع صعب وقاسي والعملية ليست سهلة, فهو رئيس الوزراء, أمانة كبيرة تستلزم من أهل بيته البكاء حزنا وشفقة عليه وليس فرحا له ولأنفسهم.
نعم أتكلم عن العملية الاعتيادية لتكليف مواطن برئاسة الوزراء لدينا من خلال تكليفه بأمر جلالة الملك حفظه الله ورعاه, واعلم ان الموضوع ان أتى من ناحية التكليف الحزبي والبرلماني سيكون الوضع مختلفا أكثر ولكن ليس أسهل, لأنه ان أتى حزبيا فعلى جميع أفراد الحزب او التيار ان يقتدوا برئيس الوزراء المكلف ويعلنوا حالة الاستنفار لأنهم جميعا محاسبون ومراقبون, والأمانة يحملوها جميعا بنفس حجمها دون توزيع لها, ولكن الى ان يأتي ذلك اليوم لنا حديث أخر, واقسم جازما ان جلالة الملك سيفرح كثيرا حين يطلب من أي شخص تولي رئاسة الوزراء ويعتذر هذا الشخص ويصارح سيدنا انه غير مناسب لها وانه غير قادر عليها ويصارح سيدنا ان رحم الله امرءا عرف قدر نفسه, سيفرح سيدنا كثيرا لأنه سيتقن حينها انه يتعامل مع مجموعة من العقلاء الحكماء الذين ان تولوها وقبلوا بالتكليف فهم قادرون عليها وجاهزون للمساءلة والمراقبة, وحينها يكلفهم ويقول لهم هذا الشعب أمامكم والشارع خلفكم,ان أرضيتموه أرضيتمونا, وان أغضبتموه أغضبتمونا, نكلفكم من اجلهم ولخدمتهم, فهم انا وأنا هم, وكلنا الوطن, حينها فقط سيعلم أي رئيس وزراء او أي مسئول مكلف ان مظلة جلالة الملك ليست له وحده وإنما لنا جميعا وبنفس المسافة, سيعلم حينها ان تكليف جلالة الملك له ليس مهربا له ان أخطا وليس درعا يحتمي ورائه حين يتعثر, بل سيعلم ان التكليف له هو أساس وضعه تحت بقعة الضوء والمساءلة والمحاسبة, وبدلا من التهنئات والمباركات وتقريب المنافقين الدجالين, سيعمد الى تقريب الصادقين القادرين على إنجاح مهمته, وتجنيبه بوجه شرعي المساءلة والمحاسبة.
سمير سيذهب لا محالة, ولكن المهم من سيأتي بعده؟؟؟, بكل صراحة وبساطة نريد من يأتي بعده ان يعمل بكل جهد وأمانة ورغبة وان يجتهد لخدمة وطنه ونيل رضا ربه وشعبه ومليكه, ولكن الأهم نريده إن لم يحقق شيئا أو لم ينجح او لم يتمكن من أداء واجباته كما كان مُنتظرا منه, ان يذهب الى صاحب الامر ويقول له عذرا مولاي وعفوا, أعفني فلست الان الرجل المناسب لتأدية الواجب و وتحقيق التكليف الذي حملتموني إياه, عذرا مولاي وعفوا انا جنديا من جنود الوطن ولكن رحم الله امرءا عرف قدر نفسه فوقف عنده, نعم سهلة ورب الكعبة وليست بصعبة ان كان المُكلف بالواجب همه أداء واجبه والنجاح بالمهمة المنوط بها, حينها سنخلد الكثيرون ونحترم الكثيرون, وحينها فقط سنتيقن أننا جميعا في مركبة واحدة ان غرقت غرقنا جميعا دون استثناء,
نعم, سمير سيذهب لا محالة ولكننا لا نريد بديلا لسمير سمير برقم آخر.
حازم عواد المجالي