رحيّل غرايبة يكتب: زمزم .....إنطلاقة متجددة

ليلة أمس التأم شمل ما يقارب (300) شخصية أردنية من الذين توافقوا على فكرة المبادرة الأردنية للبناء ( زمزم)، التي انطلقت شرارتها قبل أربعة أشهر تقريباً، من أجل رسم معالم إطار وطني جامع بخطوطه العريضة التي يؤمّل أن تكون محلاً للتوافق والتعاون بين أغلب المكونات الاجتماعية والسياسيّة، في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الشعب الأردني والشعوب العربية.

من أهم سمات المرحلة التي نمر بها جميعاً أنها مرحلة انتقالية استثنائية، تحتاج الى ثقافة التجمع والوحدة والتوافق والتعاون، من أجل العبور الجماعي الآمن، الذي يحقق القدر الأكبر من الأمان والاستقرار ويبتعد في الوقت نفسه عن شبح الفوضى والانقسام المجتمعي وإثارة النزعات التفريقية التي تهيئ البيئة للعنف والميل نحو استخدام القوة في فرض الآراء الفكرية والسياسية !!

في المرحلة الانتقالية يجب التوافق على المرجعية الوطنية العليا، التي تحتكم اليها الأطراف كلها عن طواعية ورضى، بحيث تكون المصلحة الوطنية فوق مصالح الفئات والأحزاب والجماعات والأشخاص بطريقة عملية حاسمة لا تقبل الضبابية والمراوغة، مهما كانت درجة الاختلاف والتباين في الآراء السياسية والفكرية والحزبية، لأن مصلحة الوطن العليا ليست محلاً للاحتكار او المزاودة أو الاستفراد.
القضية الأخرى التي تريد المبادرة لفت الأنظار اليها والإهتمامات الجادة هي الشروع في ارساء ثقافة التمكين المجتمعي بحيث يتم الانتقال الجماعي من مرحلة الحياة الريعية التي تجعل عامة المواطنين ميالين الى الاتكالية والاعتمادية على السلطة المركزية بطريقة متخلفة، الى مرحلة جديدة تصبح المجتمعات المحلية منتجة وميالة للاعتماد على الذات، وتحمل الثقافة الايجابية في التفكير وانتاج المشروعات الانتاجية والفاعلة والمؤثرة على جميع الصعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

لقد مرت المجتمعات العربية عبر تاريخها في مرحلة البحث عن البطل المخلص، وعن الشخصية الاستثنائية التي تصنع المعجزات، وأصبحت أسيرة لثقافة الانتظار، وثقافة الانتظار تأخذ اشكالاً كثيرة بعضها أخذ شكلاً عقائدياً يدور حول مسمّى (المهدي المنتظر)، ما جعل قطاعات كثيرة واسعة تنهج منهج الكسل والتواكل وانتظار التغيير الفوقي القادم من رحم الغيب، وبعضهم يميل لاستنساخ شخصيات تاريخية كبيرة مثل (صلاح الدين الأيوبي) الذي حرر القدس من الصليبيين، أو مثل قطز والظاهر بيبرس اللذين خلصا العالم الاسلامي من زحف المغول الهمجي، ولذلك نجد صيحات كثيرة تستصرخ صلاح الدين أو المعتصم أو عمر بن عبد العزيز وغيرهم.
ثم سادت ثقافة جديدة تبحث عن الحزب المخلّص، أو الطائفة القادرة على انقاذ المجتمع وقيادته الى بر الأمان، وخضعت الشعوب العربية لتحكم هذه الاحزاب والفئات التي استبدت بالسلطة، واحتكرت الحقيقة والفكر والثقافة، واستولت على مفاصل القرار واستأثرت بالمقدرات، وعملت هذه الثقافة على تكريس الخوف والضعف والتخلف والفقر، والفرقة وتمزيق المجتمع وتفتيته.

نحن الآن بحاجة الى ثقافة جديدة، نجعل الخلاص مرتبط بوحدة المجتمع كله وقدرته الجماعية على تحرير ذاته، وتمكنه من استرداد سيادته الجمعية على أرضه ومقدراته ودولته ومؤسساته، وقدرته المنظمة على اختيار الحكومات وفقاً لقواعد عامة عادلة ومتفق عليها وتحظى بالرضا الجمعي.

ومن هذا المنطلق يجب وقف الذين ينفخون في نار الفرقة والتعصب بكل أشكاله، ووضع حد لثقافة التحريض والكراهية، وعدم التهاون مع الذين يتقنون إثارة مكامن الفرقة والانتماءات الجهوية الضيقة، وإقامة الجدران العالية التي تمنع الحوار وتحول دون تهيئة الفرصة لتوافق وطني عام، من دون التنازل عن الخصوصية الثقافية، ومن دون التنازل عن الانتماءات العقدية والميول السياسي.
لا مجال لاتباع سلوك نفي الاخر من الوجود، وعدم الاعتراف بحقه بالمشاركة في بناء وطنه وخدمة شعبه، ولا مجال لبقاء المتمسكين بلغة الدم والقتل والاخضاع القصري عن طريق قوة السلاح.

د. رحيّل غرايبة