أساس الصراع وأدواته


 
شكراً لدائرة الإحصاء الفلسطيني التي كشفت عن جملة البيانات والمؤشرات الإحصائية، لعدد المكونات الفلسطينية، المنتشرين في مناطق 48 ومناطق 67 وبلاد المنافي والشتات، فالمعطيات الديمغرافية لشعبنا هي المادة الأولى للاهتمام وللفعل وللهدف وللتطلعات، فالمشروع الاستعماري التوسعي الصهيوني اليهودي الإسرائيلي قام على عاملي الإنسان والأرض، عبر تنظيم الإنسان اليهودي بصرف النظر عن قوميته ولغته وثقافته، وتجنيده وترحيله إلى فلسطين الأرض، وإعادة تشكيله بما يتلاءم مع الحياة الجديدة على أرض فلسطين وتكييفه مع مناخها ومحيطها وتحدياتها، وتم ذلك على حساب الأرض الفلسطينية وشعبها، عبر الطرد والترحيل والقتل، وعبر الاستيلاء على الأرض وجعلها طاردة لأهلها وسكانها الأصليين : الشعب الفلسطيني. 

لم تفلح الصهيونية في تحقيق مشروعها الاستعماري على أرض فلسطين بالضربة القاضية للشعب الفلسطيني وأرضه، بل تم ذلك بشكل تدريجي متعدد المراحل بدءاً من المؤتمر الصهيوني، إلى وعد بلفور، إلى موجات الهجرة، إلى قرار التقسيم، إلى إعلان الدولة على جزء من أرض فلسطين، إلى احتلالها بالكامل العام 1967، إلى الحد الذي لا يمكن الآن الإجابة على السؤال لمن يطالب بالاعتراف بإسرائيل : أين هي حدود إسرائيل؟ حدود 48؟ حدود 67؟ حدود الجدار؟ أحسب اليمين أم حسب اليسار الصهيوني؟ حسب الأحزاب أم حسب المشاريع؟ حسب المفاوضات أم حسب ما يمكن أن تصل إليه قوة الدبابة الإسرائيلية؟ أهي حسب القانون الدولي أو الأمر الواقع ؟ بالمستوطنات أم بدونها؟؟. 

ومشروعنا أيضاً لا حدود له، لهذا الوقت، أهي فلسطين من البحر إلى النهر حسب رغبتنا وتطلعاتنا وأمانينا أم حسب قرار التقسيم؟؟ حسب خطوط الهدنة لعام 48 أم خطوط حزيران 67 أم حسب التبادلية المقترحة؟؟.
ما زال الصراع كما هو منذ بدايته، يقوم على عاملين وهما عنوان الصراع وأداته : الأرض والإنسان، هم يريدون أكبر مساحة من فلسطين وأقل عدد من أهلها، وبرنامج ياسر عرفات، منذ أن أقر المجلس الوطني الفلسطيني بالحل المرحلي عام 1974، يقوم على استعادة أكبر مساحة من الأرض وبقاء وعودة أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وها هو جهاز الإحصاء الفلسطيني يكشف لنا حقيقة الصراع وحصيلته بين البشر، بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويقول لنا : 

- عدد الفلسطينيين في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة في 48 هو أكثر قليلاً من مليون وثلاثمائة وستين ألف نسمة. 

- وعدد الفلسطينيين في مناطق الضفة والقدس والقطاع هو أربعة ملايين وأربعمائة الف نسمة. 

- أي أن عدد الفلسطينيين الذين يعيشون على أرض وطنهم فلسطين بأقسامها وتلاوينها وأجزائها المجزأة يبلغ خمسة ملايين وثمانمائة ألف نسمة. 

- وأن عدد البشر على أرض فلسطين من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي هو 11.8 مليون نسمة يشكل اليهود منهم 51 بالمئة، ولكنهم يسيطرون ويستغلون 85 بالمئة من مساحة أرض فلسطين، و49 بالمئة من سكان فلسطين وهم شعبنا العربي الفلسطيني فلديهم حيازة لا تزيد على 15 بالمائة من الأرض، مما يعني أن الفرد الفلسطيني لديه فرصة التمتع بأقل من خمس المساحة التي يستحوذ عليها الفرد الإسرائيلي. 

- الشيء النوعي الجديد الذي كشفت عنه معطيات الإحصاء الفلسطيني، دلل على أن عدد الفلسطينيين المقيمين على أرض وطنهم فلسطين، في مناطق 48 ومناطق 67 يزيد على عدد الفلسطينيين المنفيين خارج وطنهم في بلاد الشتات والتشرد، وحصيلة ذلك أن الفلسطينيين على أرضهم لم يعودوا جالية تتوسل الحياة والمساواة وفرص العيش، بل هم شعب يعيش على أرضه.
ليست معطيات الإحصاء الفلسطيني مجرد أرقام صماء، يجب تكرارها أو التثقيف بها، كمعرفة، بل مؤشرات ودلائل لقيادة صنع الحدث، وبرنامج الفعل والتصرف إلى ما يجب فعله، ولذلك على مؤسسات منظمة التحرير، والفصائل والأحزاب والشخصيات والكتاب وقادة المجتمع الفلسطيني أن يستخلصوا ما هو ضروري في برنامج المواجهة، برنامج المساواة والاستقلال والعودة، اعتماداً على معطيات الإحصاء الفلسطيني. 

اليوم على أرض فلسطين، شعب يتعرض للعنصرية والتمييز في مناطق 48، وللاحتلال الاستعماري في مناطق 67، ولديه حقوق مجسدة في قرارات الأمم المتحدة بدءاً من قرار التقسيم 181 ، وقرار عودة اللاجئين والمنفيين 194، إلى قرار الانسحاب وعدم الضم 242، إلى حل الدولتين 1397، إلى قرار خارطة الطريق الذي يرسم خطوات تسوية الصراع 1515، هذا يحتاج لبرنامج تطوير سياسات منظمة التحرير بما يعكس الواقع الحي الملموس، على أرضية البرنامج المرحلي المتعدد المراحل. 

مظاهر ومهرجانات إبراز مأساة النكبة والمطالبة بالعودة في مخيمات اللجوء في الأردن ولبنان وغيرها، تعبير عن إحياء الحق الفلسطيني إضافة إلى ما يجري على الأرض من فعل فلسطيني سواء داخل مناطق 48 أو مناطق 67.
المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، حقق أهدافه بشكل تدريجي متعدد المراحل، ونحن سنستعيد حقوقنا الكاملة على أرض فلسطين، وأي خطوة تعيق هذا الهدف وهذا البرنامج يجب تجاوزها والقفز عنها وتعديلها، وفي طليعتها المبادرة العربية التي قدمت تنازلين مجانيين أولهما ربط حل قضية اللاجئين بالموافقة الإسرائيلية المسبقة، وثانيهما التبادلية، وكلاهما تكتيك غير موفق وتنازل مسبق يعكس الضعف ويخل بالثوابت الفلسطينية، ولا ضرورة لهما، لأنهما سيؤديان إلى التنازل المجاني الثالث وهو الاعتراف بيهودية إسرائيل وفق البرنامج الإسرائيلي التدريجي، ووفق عجز النظام العربي المرتهن للسياسة الأميركية الإسرائيلية. 

h.faraneh@yahoo.com