تونس والعراق دروس وعبر

تونس والعراق دروس وعبر اعداد/د.فخري ابراهيم راشد خزاعي الفريحات ما جرى في تونس ، رغم أنه أمر داخلي يخص الشعب التونسي وحده ، الا ان ما جرى ، له ابعاد وانعكاسات ليس على تونس وحدها ، بل على دول المنطقة برمتها ، وينبغي لأي محلل أو متابع ، الا وأن يبدي وجهة نظره بشكل محايد أو أقرب الى الواقع في إطار تقييم تبعات هذا التغيير وما تبعه من أحداث عنف وتخريب دامية يمكن تلخيص مؤشراتها كالتالي : 1-أن التغيير أمر مطلوب لأي شعب ، وكان يفترض بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ان يكون هو أداة التغيير قبل وصول الاوضاع الى هذا المستوى من التدهور، وينقذ البلاد من تلك الفوضى وحالة الفلتان التي اعقبته. 2- لقد كان هناك دعم خارجي خفي للأسلوب الذي جرى به تنفيذ الانقلاب وما اعقبه من عمليات شغب وتخريب طالت مؤسسات مهمة في البلاد، ولا بد ان يكون هذا الدعم الدولي من قوة كبرى متنفذة معروفة المقاصد والاهداف. 3- لقد كان بإمكان تونس ان تحافظ على موقعها المهم كبلد سياحي وهبه الله ثروة سياحية قل نظيرها ، لو أحسن القائمون على البلد استغلال ثروتهم بطريقة تحفظ ماء وجه التونسيين أمام العالم ، بدل ان يحل اضطراب الامن الذي سيقضي على أي معلم سياحي في هذا البلد ، بعدما جرى من تعكير لصفو امنه الداخلي ما يجعله لفترة طويلة يئن من تداعياته على اكثر من صعيد. 4- ان ما جرى في تونس مؤخرا يشبه في بعض أوجهه ما جرى في العراق بعد عام 2003 ، اذ ان نفس التوجهات بدت معالمها بعمليات نهب وسلب وتخريب لمؤسسات الدولة ، وان لم يكن بأياد خارجية او احتلال الا انه بدأ بأياد محلية وبمحاربة كل اركان النظام السابق وعمليات الثأر والانتقام والتصفيات واألإقصاء والتهميش راحت تطول كل شيء ، ما يعني ان حمام الدم سيستمر في تونس لفترة ليست بالقصيرة ، دون الاتعاض مما جرى في العراق، وما تعرض له البلد من اضعاف لمقومات وحدته الداخلية وتشتتها وأشاعة اجواء الحروب الطائفية والمذهبية التي ستستغلها جماعات تحت عناوين مختلفة للانتقام من مكانة الشعب التونسي وتغيير معالم الحياة نحو الأسوأ بكل تاكيد. 5- كان يفترض بالانقلابيين ان لايزجوا البلاد في اتون حروب وملاحقات وعمليات نهب وسلب وانتقام، ويكون التغيير سلميا بمجرد ان غادر رئيس البلاد الحكم، وينتهي الامر، وتقوم جهات سياسية ومن خلال شخصيات وطنية تونسية بالاستيلاء السلمي على السلطة، وتنتهي التظاهرات وعمليات الاعتصام ويجري اعادة وجه تونس العربي كبلد سياحي يمكن اذا ما جرى إصلاح أوضاعه الداخلية ان يعود الى بعض عافيته، لا ان يتقهقر الى الوراء ، وتنتكس السياحة التي هي مورده الاساسي في هذا البلد. 6-ان كل الدول العربية وبخاصة الخليجية منها تتحمل القسط الاكبر مما جرى في تونس من احداث ، بعد ان بلغ الفقر بالشعب التونسي مداه، وكان بأمكان هذه الدول التي يسرح العديد من مواطنيها في تونس للسياحة والاستجمام واللهو ان تقدم الدعم والاسناد للشعب التونسي من خلال مشاريع استثمارية كان بامكانها ان تعود عليهم كمستثمرين خليجييين وعرب والشعب التونسي بفوائد اقتصادية جمة ، ويبقى الشعب التونسي ، هذا البلد الجميل واحة للاستقرار والطمأنينة ، وكان كذلك حتى الأمس القريب ولكن القدر شاء ان يتجه بهذا البلد الى ما لا يحمد عقباه، رغم اننا نتمنى ان يعيش الشعب التونسي في أمن واستقرار وطمأنينة ، بدل ان يحل به ما حل به من عدم استقرار وقلاقل وهزات ارتداد مدمرة ، كان من الاجدى تفاديها لو كانت هناك إرادة وطنية تقدر احتياجات الشعب التونسي وهو بالمناسبة شعب مثقف ويحب العمل ويقدسه، وقد جعلوا من بلدهم قبلة للدنيا وواحة كانت أشبه بجنات عدن في بوم ما. 7-ان حرصنا على الشعب التونسي وعلى سلامة كل بلد عربي هو الذي يدفعنا لان يكون اسلوب توجهنا بهذه الطريقة التي اضطررنا للخوض فيها والتي كانت جنة من جنات عدن التي نسمع بها ، بمعنى الكلمة ، واهلها طيبون وشعب تونس مثقف ويعشق العروبة ، وكيف لا وهو شعب ابو القاسم الشابي. 8- ان ما جرى في تونس لابد وان تمتد تأثيراته الى دول عربية أخرى ليس رغبة من هذه الدول في أن تتكرر المأساة مرة أخرى ولكنها لأنها سئمت بقاء الزعامات العربية لفترة طويلة ، دون ان تقدم لشعوبها ما يجعلها تحافظ على بقية هيبتها أمام الاخرين من جيرانها او من دول المطقة والعالم ، وبالتالي لا تحتاج الى ثورات اذا ما تم تلبية الحد الأدنى من مطالبها. 9-ان مصر وليبيا والسودان والجزائر والمغرب وموريتانيا وحتى دول الخليج ليس بأمكانها ان تفلت من حالة التغيير المرتقبة ،وربما تكون مصر وحتى ليبيا ، واليمن ، ولبنان ، من الدول المرشحة لان تشهد احداثا مماثلة ، اذا تمسك قادتها بأستمرار قيادة السلطة في هذه الدول، ولم ينحنوا أمام شعوبهم الراغبة بالتغيير وتخليصها من مخاطر الحروب والفتن والمؤامرات والتشرد والضياع والانفلات الأمني ، وتجنيب شعوبها ويلات النهب والسلب بالطريقة التي تعيدنا الى عهود القرون الوسطى ، وهي الفترة المظلمة من عهود التاريخ بكل تأكيد. 10-ان الولايات المتحدة التي اعلنت نفسها زعيمة الديمقراطية على العالم ووصية على مقدراته سوف لن تترك أية بقعة في الارض دون ان تصلها رياح ديمقراطيتها، وقد جنى العراقيون ثمارها غير الطيبة ان لم تكن أمر من مرارة العلقم ، والبقية تأتي، في اطار سعيها لجعل العالم كله مضطربا، ويعاني التمزق والأنفلات والفوضى لتسهل عليها السيطرة على مقدرات العالم وفقا لاهوائها، أما إرادات الشعوب وخياراتها، فهو في أخر اهتمامات مزابل مؤسسات القرار الاميركية ، التي لم تترك شاردة وواردة الا وسعت في خرابها، والعاقل يفهم. لشهر خلا كانت تونس تُعد من أكثربلدان المغرب العربي – إن لم نقل العالم العربي - استقرارا، كما بدا رئيسها من أكثر الرؤساء العرب زهوا، وثقة بسطوته على الشعب فهو رئيس قوي وقبل أشهر كان رئيسا "منتخبا" مدى الحياة، محكما قبضة من حديد على الشعب الذي" انتخبه" ، وعلى الإعلام وعلى الأحزاب السياسية حتى اعتبر سجل حقوق الأنسان التونسي الأسوأ طرا في العالم! فتونس المتميزة بموقع فريد في قلب الشمال الأفريقي جعلها أقرب البلدان الى أوروبا،وكانت همزة الوصل على مر العصور بين أوروبا وافريقيا ، كما أنها تتوسط بلدان الشمال الأفريقي على البحر المتوسط ، وقد حباها الله أرضا خصبة وأمطارا جعل حتى صحراءها معطاء، فهي بلد زراعي اشتهر بالزيتون والتمر والحمضيات والعنب والفواكه الأخرى والخضروات ،والحبوب ، وموقها مكنها من تصدير منتجاتها الى أوربا بسرعة. ولتونس تاريخ عريق تلاحقت فيه الحضارات لاسيما الرومانية والفينقية اللتان لا زالت آثارهما باقية حتى الآن مما جعل تونس لبنان الجناح الأفريقي من العالم العربي، ثم جاء العرب المسلمون وأسسوا دولهم وأزدهرت تونس بمسجدها الشهير جامع الزيتونه الذي خرج علماء أفذاذاّ على رأسهم ابن خلدون. إن جمال تونس واعتدال مناخها ودفء شواطئها ، وتسامح أهلها واستقرارها السياسي بعيدا عن التعصب الديني جعلها قبلة للسائحين الأوربيين بحيث غدت السياحة المتطورة تشكل موردا معتبرا من الدخل القومي ، مما مكن البلاد أن تسجل نموا اقتصاديا متميزا ، لكن هذا النمو لم ينعكس على حياة القطاعات الواسعة من الشعب بل استأثرت به عائلة الرئيس واقاربهم لاسيما أخوة عقيلته الرئيس بن علي الثانية ليلى الطرابلسي التي لها حظوة وسطوة على الرئيس نفسه حتى أن بمقدورها أن تقيل أو تعيّن من تشاء من الوزراء! ويبدو أن الرئيس بن علي الذي تربع على عرش الرئاسة عام 87 إثر انقلاب وصف بالابيض على الرئيس العتيد بورقيبة الذي بلغ من الكبر عتيا ، قد أطمأن على منصبه مدى الحياة وتوهم أن القبضة الحديدية المطبقة على أنفاس الشعب هي الضمان لبقائه بالحكم فلا زال في زهو الشباب رغم الثانية والسبعين التي قطع منها اربعا وعشرين في سدة الحكم! لذا فإن فراره وعائلته على متن طائرةالى فرنسا جعل حتى حليفه وصديقه ساركوزي يتنصل منه خوفا من غضب الشعب الفرنسي ومن الجالية التونسية ذات الحضور الهام هناك. ولم يجد له مأوى الا في السعودية ، ولعمري إن في ذلك لمغزى وعبرة لإولي الألباب من الحكّام ، مما يجعل المرء يتذكر فرار الشاه وعائلته الى مصر السادات -عقب ثورة الشعب الإيراني عام 79- فلم يجد من يستقبله إلامصر ! لاشك أن ثورة الشعب التونسي في بدايتها الصعبة ،وأن الفئات المتضررة من أركان وأنصار بن علي وخاصة في الجيش وقوات الأمن والتي لا زالت تحتل مواقع هامة في الدولة ستشكل مثابة طابور خامس لوضع العصي أمام عجلة الثورة في محاولة لإرجاع الأمور الى سالف عهدها مما يستلزم من الجميع التكاتف لتفويت الفرصة على الأعداء فمقولة : الأهم من الثورة هو المحافظة عليها وضمان ديمومتها واستمرارها ، تبقى مقولة صحيحة جدا. إن مهمة القوى السياسية الآن هو الإلتقاء على برنامج انتقالي تشارك في صنعة الأحزاب والقوى التقدمية بعيدا عن روح المناكفة والإستئثار وأقصاء وتهميش واجتثاث الغير وبعيدا عن روح التعصب والتسابق لكسب المواقع والمناصب وليس من سبيل الى ذلك الا بالديمقراطية وعد الخطى من أجل انتخابات حرة نزيهة تضمن تعزيز الديمقراطية وتسمح بالتعددية والغاء جميع القوانين التي قيدت الحريات وكذلك من أجل تخطيط شامل للإقتصاد وتوزيع الثروات لما ينفع الفئات الكادحة الواسعة من الشعب التي عانت من الحرمان والإضطهاد طيلة عقود..إن المحافظة على علمانية تونس هي ضمان لإبعاد تونس عن التطرف الديني والعنف الطائفي الذي رافق تجربة العراق.. كم أن نجاح التجربة التونسية سيفتح الطريق ولا شك أمام الشعوب الأخرى وها هي الشعوب العربية والعالمية تتضامن مع الشعب التونسي بكل حرارة بينما نجد الن الحكام العرب وقفوا موقفا مشككا مما يجعلهم أن يعيدوا حساباتهم من جديد وأن يتقربوا الى الشعوب وأن ينبذوا أساليب الإحتكار والتزوير والتوريث والنهب والا فالزمن قد تغير فهل هم فاعلون؟ الاوضاع الاقتصادية في العراق وصلت الى مستويات قصوى من التردي العراق يستورد الخضروات فيما تبين موازنة 2011 ان حصة وزارة الزراعة هي مانسبته (0،07%) .والعراق يستورد الطابوق من دول الجوار والدولة تخصص( 3.4 مليار) لوزارة الصناعة فيما يذهب الى جيوب الرئاسات الثلاث مليارات الدولارات . ان الميزانيه التشغيلية مجلس الوزراء والنواب ورئاسة الجمهورية = ضعف تشغيلية قطاعات ( الصناعة + الزراعة + الاتصالات + البيئة + العلوم ) مجتمعة) ماذا نسمي ان تستفرد بالثروة فئة محدودة وتهمش الملايين التي تعيش الفاقة والفقر،مع عشرات الالاف من الخريجين الذين يعانون البطالة؟. ان حجم الموازنة العراقية يفوق حجوم موازنات كل من : مصر + سوريا + الأردن + لبنان ، وان عدد نفوس العراق يساوي ثلث عدد نفوس واحدة فقط من تلك الدول وهي مصر ، مع ذلك فان معدل الفقر في العراق يفوق حاصل جمع معدلات الفقر في تلك الدول مع هذا فأن مايعانيه العراق من فساد يفوق هذه الدول بكثير. انتفاضات البطالة والجوع ، وتحرك المهمشين في تونس والجزائر كانت انتفاضات وحراكات مجتمعية تعبر عن مطالبات بحقوق مسلوبة. اوضاع هذه الدول أفضل بكثير من اوضاع المواطنين العراقيين المعاشية وحتى دخل الفرد لديها اعلى من دخل الفرد العراقي ومعدلات الفقر فيها اقل من العراق مع هذا انتفضت لانها لاترضى بالهوان وتطالب بالعدالة الاجتماعية ولاتريد رغيف خبز معجون بالهوان . المسحوقون في وطننا مطالبون بأن يعرفوا سارقي قوتهم ورغيفهم ، ولاسبيل الى هذا الا بالتخلص مما يعيشونه من تضليل سياسي. اما الذي يتغطون بالدين ويتدثرون بدثار الاسلام فأن هذا الدثار وهذا القناع لايدوم طويلا وقد بدأت تتهلل اطرافه واوصاله. نستطيع ان نقول ان اوضاع التونسيين والجزائريين افضل بكثير من اوضاع العراقيين وفقرهم، ولكن مع هذا لم يرضوا بما هم فيه لانهم يطالبون بالعدالة والحياة الكريمة. محمد البوعزيزي الذي اشعل النيران بجسده الطاهر لانه لم يتحمل ماتلقاه من اهانات الشرطة له تحول الى رمز للثورة ورمز للحرية والكرامة والعدالة. البوعزيزي خريج الكلية الذي عبر عن اعتراضه على مايعانية من تهميش وتجويع ، هناك عشرات الالاف في العراق من خريجي الكليات الذين يعانون البطالة ، وتمارس ضدهم شتى اشكال صنوف الامتهان والاذلال . الشاب العراقي حين يرى استحواذ الاحزاب واتباعها على الوظائف والمناصب الحكومية فيعاني الاهمال ويحرم من فرصته في الحياة ،يعرف كم تتعرض حقوقه للانتهاك . رموز انتفاضة الشعب التونسي لم يكونوا سياسيين محترفين بل كانوا قادة الاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني كالاتحاد العام لطلبة تونس الذي يملك شعبية كبيرة داخل الجامعات التونسية. الفساد والبطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي عاناه المواطنون في تونس ، نعاني منه بشكل اكبر في ظل وعود السياسيين السراق واللصوص، وفي ظل تقاسم السلطة على اساس طائفي وحرمان الطاقات والكفاءات من لعب دورها في بناء العراق. المسؤولية الان تقع على عاتق الناشطين المدنيين والمثقفين والاعلاميين للأستعداد للدرس العراقي وتهيئة استحقاقاته. انتفاضة الشعب التونسي كانت مدنية قادتها ونفذتها منظمات المجتمع المدني يدعمها الاعلاميين والمثقفين. المجتمع المدني العراقي الفتي عليه ان يغادر العمل النخبوي وورش وندوات الصالونات فثقافة الصالونات لم تعد مجدية امام تردي الاوضاع في العراق. الانتقال من عمل الصالونات الى فضاء الساحات هو استحقاق اللحظة التاريخية الان. الانتقال من النخبوية الى الشعبية هو السلاح الناجع في مواجهة التردي وتصحيح المسارات. منظمات المجتمع المدني مدعوة لتشكيل تشبيكاتها وتحالفاتها ، اذ لايتتم المواجهة مع اللحظة الراهنة من دون تحشيد شعبي واسع. الشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية فلابد من الوصول اليه وتعبئته ، وانقاذه مما يمارس ضده من تضليل وتسطيح للوعي والهاء عن مصالحه الحقيقية. اللحظة السياسية للشعب العراقي اكثر نضوجا من اي وقت مضى لممارسة الدور المجتمعي ، ولايمكن ان يتم هذا من دون قيادة مدنية تستطيع لملمت الصفوف وازالة التشضي وبناء الوحدة المجتمعية التي تستطيع ان تفرض ارادتها وتحقق اهدافها. اذا كانت تونس بشعبها الحر عبرت عن حيويتها المجتمعية وروحها التي تتوق الى الحرية والحياة الكريمة،فلماذا يسكت شعبنا على الضيم والظلم. لماذا يعيش ابناء شعبنا الفقر مع وجود كل هذه الثروات ويبقى صامتا. وحين ندعوا الى انتفاضة شعبية سلمية ،فأن هذه الانتفاضة لايمكن الا ان تكون لها فواتيرها القابلة للتسديد ، ولن يسدد الشعب هذه الفواتير اذا لم تكن هناك قيادة مجتمعية مخلصة تعرف ماذا تريد والى اين تقود الشعب. الانتفاضة العراقية لابد ان تكون انتفاضة كرامة وعدالة وحرية.. انتفاضة تزيح برقع وقناع الفاسدين والمفسدين سراق قوت العراقي وثروات شعبه. على منظمات المجتمع ان تهيء نفسها لهذا الدور حتى لاتكون الانتفاضة عفوية بلاقيادة فتتحول الى فوضى تأكل الاخضر واليابس، كما يجب الاستعداد لمواجهة كل الاحتمالات ، وتثقيف القيادات الميدانية على الاحتجاج السلمي البعيد عن العنف ، لان العنف سلاح الضعفاء .. والعنف يسيء لكل ماهو شريف ونبيل من اهداف . والانشطة المدنية الاحتجاجية تحتاج الى اعلامها الذي يقدم لها اسنادا مطلوبا، ومن التحالف بين الاعلام الحر والمجتمع المدني لايمكن ان ننجح بقيادة اية احتجاجات او اعتصامات او القيام بأي عصيان مدني. ثلاثة وعشرين عام من الدكتاتورية والاستبداد والطغيان والقمع والفساد ومصادرة الحريات ونهب المال العام من قبل الرئيس وذويه ومقربيه، والى جوار ذلك كله كان النظام التونسي يمارس حرباً عدوانية على الاسلام وأهله، فحتى لحظة سقوطه وهروب رئيسه الجنرال زين العابدين بن علي أمام انتفاضة الاحرار والغضب العارم للشعب التونسي الكريم كان الحجاب وكانت الاحزاب الاسلامية محضورة في تون..! رحل الطاغية بن علي وقد ضاقت عليه الارض بما رحبت فلم تفتح له اجواء الغرب الصديق بما في ذلك فرنسا ولا دول الجوار المغاربي والعربي الشقيق واخيرا تصدقت عليه ارض الحرمين بأن يكون منفاه الاخير (وان كان ذلك لايستحقه).. والحقيقة ثمة دروس مستفادة مما حدث في تونس نجملها في هذه السطور وهي : • ان للشعوب طاقة كامنة وارادة لاتقهر متى شائت ومتى ارادت ولايمكن لأي نظام قمعي مهما كان ان يتصدى لها . وكما يقول الشاعر (اذا الشعب يوماً اراد الحياة ... فلابد ان يستجيب القدر)، اي حياة الحرية والكرامة لا حياة الذل والهوان . وهو درس كبير ومهم ان تستوعبه الشعوب العربية والاسلامية تحديداً لتمارس حقها في احداث التغيير المطلوب . • ان للحرية والكرامة والعزة ثمناً أقل بكثير من ضريبة الذل والهوان والرضوخ للظلم. فمن يصدق ان الشعب التونسي نال حريته وكرامته وتخلص من نظام مستبد ظالم بتضحية عدد لم يتجاوز العشرات من الشهداء الابرار..؟ بينما في المقابل دفع الاف الضحايا قتلاً وتشريداً على ايدي جلادي ما يسمى بالاجهزة الأمنية القمعية التابعة للنظام طيلة سنوات الحكم كضريبة للذل والهوان . فهل تدرك الشعوب العربية والاسلامية ذلك . • ان قوة الظلم ونظامه مهما تجبر وتكبر فإن له ساعة يكون فيها اوهن من بيت العنكبوت ويفقد كل انصاره ومعاونيه (في الداخل والخارج) ويتخلى عنه الجميع ليلقى مصيره المحتوم، وانها سنة الله في الظلم والظالمين، ورأينا كيف تنكرت له الدول الغربية الصديقة وفي مقدمتها (امريكا وفرنسا وبريطانيا) التي دعمته طيلة سنوات الطغيان، ويبقى مقياس الرصيد الحقيقي للحكام هو رضى شعوبها عنها بناءاً على مايقدمه الحكام من الخدمات والحقوق التي تكون مابين الراعي والرعية التي اقرتها الشرائع السماوية وقوانين حقوق الانسان الحقيقية . • ان تغيير النظام الفاسد من الداخل وبأيدي وطنية اقل تكلفة من اي تدخل اجنبي لإحداث التغيير والحالة العراقية خير دليل، وقد رأينا كيف اجرمت امريكا بحق العراق ارضاًَ وشعباً وثروة وثقافة وتاريخاً، ويكفي انها قتلت اكثر من مليون شهيد وملايين المشردين داخل وخارج العراق مع التدمير الشامل لجميع مقدرات العراق تحت دعوى تغيير النظام الفاسد ونشر الديمقراطية الامريكية البائسة في الشرق الاوسط الجديد.. • ان التغيير يمكن ان يقوم به شخص واحد ويكون بمثابة الشرارة التي تلهب نار الانتفاضة لجموع الاحرار لينقضوا على الظلم والطغيان، كما هو فعل البطل التونسي محمد البو عزيزي، وكذلك هي قصص الابطال صناعة التاريخ والامجاد، وكما كان الغاء قانون التمييز العنصري بين البيض والسود في امريكا (المتنطعة بنشر الحرية اليوم) بصمود امرأة سوداء رفضت القيام للابيض وهي جالسة في الحافلة عام 1947 م . • ان انتفاضة التونسيين الاحرار انما هي اجراس انذار لكل الانظمة الفاسدة المستبدة القاهرة لشعوبها ان ترعوي وتعود الى شعوبها باصلاحات حقيقية جذرية في جميع المجالات والاصعدة التي تؤمن الحياة الكريمة للشعوب بعيداً عن التفرد والاستبداد والقمع والارهاب وشبح الفقر والبطالة والجهل والمرض، وضرورة التناول السلمي للسلطة بعيداً عن سياسة التوريث والتهميش للشعوب . ختاماً ما نامله هو أن يحقق الشعب التونسي اهدافه النبيلة من وراء هذا التغيير المبارك , وان لايسمح بسرقة هذه الثورة من قبل لصوص انجازات الغير، وان يكون وفياً لدماء الشهداء الذين قضوا في سبيل الحرية والعزة والكرامة للشعب التونسي الشقيق ليحيى عزيزا كريما . كما نأمل ان تنتقل عدوى التغيير هذه الى جميع الانظمة الفاسدة والمستبدة والعميلة في عالمنا العربي والاسلامي في القريب العاجل لتنعم الشعوب بكرامة العيش الكريم بعيداً عن سياسة الظلم والطغيان والفقر والجهالة والمرض، انهم يرونه بعيداً ونراه قريباً . البطالـة في تونـس بلغـت 14 % وعندنـا 38 % والرقـم الأخـير مشكوك فيـه لأنـه خـرج من تحـت أنامـل حكوميـة ! نسبـة دخـل الفـرد في تونـس هي 3772 دولار أمريكـي ونسبـة دخـل الفـرد العراقـي صاحـب أكـبر رصيـد نفطـي في العالـم هـي فقـط 710 دولار !؟ تونـس تحتـل المركـز التاسـع والخمسون في تقريـر الشفافيـة الدوليـة لعـام 2010 ! بينما يحتـل العـراق المركـز المئـة وخمسـة وسبعـون ! وقبـل أفغانستـان وماينمـار والصومـال! نسبـة ( التحضـر) وإستغـلال الأراضي في تونـس بلغـت 66،7 % بينمـا نسبـة ( التصحـر) في العـراق تجـاوزت الـ 16،8 % عـام 2010 !؟ نسبـة السكـان تحـت خـط الفقـر في تونس هـي 2،8 % ( 400 $ ) في حين بلغـت في العـراق أكـثر من نصـف مجموع العراقيين ( 120 دولار) ! ..... نسبـة النمـو الإقتصـادي في تونـس تجـاوزت مثيلاتهـا في دول الخليـج العربـي أمـا في العـراق فحـدث ولا حـرج ، العـراق أيهـا المتفائلـون لـم يشهـد منـذ عـام 2003 ولحـد هـذه اللحظـة أي إرتفـاع لبنـاء مدعـوم من قبـل الدولـة فـوق العشـرة أمـتار أو حتى أقـل ؟؟ الميزانيـة المعلنـة في تونـس من الأعـوام 2006 الى 2010 لـم تتجـاوز 0،7 % من ميزانيـة العـراق البالغـة 300 مليـار دولار ولنفـس الفـترة !؟ ومع ذلك ثـار أصحـاب الأرض الخضـراء وصَمـتَ صمـْت أهـل القـبور سكـان الأرض المحروقـة ! سكـان الأرض التي تبكـي كرامتهـا وتنـدب سيادتهـا وتنـدم على عطاءهـا المُبـدد بين أرجـل الجبنـاء . عن مـاذا نتحـدث ونقـارن ؟ عن قتـل بالجملـة ! أم عن تدمـير وتخريـب طـال المـدارس والجوامـع والكنائـس والأسـواق وكل مفاصـل الحيـاة ؟ عن شـوارع سكن فيهـا المـوت والمـرض والمـاء الثقيـل ؟ أم عن كهربـاء فـُقـدت الى الأبـد ووزيرهـا ينفـق ( مئـة ) مليون دولار على زواج ولـده العـزيز ( فـادي ) بعـد أن حجـز بالكامـل أحـد أضخـم فنـادق نيويورك ( الأنتركونتننتـال ) لأقامـة المدعويين من ضيوفـه ولمـدة أسبـوع مع تذاكـر السفـر جـوا ذهابـا وإيابـا ! هـذا الوزيـر الذي دافـع عنـه المالكـي وقـال : أنـه أنـزه وأذكـى وزير في حكومتـي (!!) فـإذا كان كريـم وحيـد الوزيـر الأنـزه والأشـرف فمـاذا إذن عن بقيـة الـوزراء ؟ وهـذا رابـط لأحـد الموقـع التي نشـرت صـور حفلـة (فـادي) حفظـه الله ورعـاه وقـد أخطـأ المشرفون على الموقـع حين ذكـروا رقـم المبلـغ المصروف : عن أي شـئ نتجـرأ ونكتـب ونطـرح ؟ على سكوتنـا وسخـام وجوهنـا وأمـام عيوننـا لصوص عتـاة يسكنـون منطقـة خضراء آمنـة محصنـة بينمـا نعيـش نحن في أكـثر مناطـق العالـم خطـورة ورعبـا ؟ وحين تخـرج علينـا أرتالهـم ومواكبهـم يرمون علينـا الرصاص وقنانـي المـاء الفارغـة كي نفسـح لهـم الطريـق بلا مضايقـة من دون أن يفتـح أحدنـا فمـه أو يحتـج ؟ هـل نكتـب على رضانـا المـُذل والمُهـين والألقـاب المستوردة الصريحـة باتـت تحكمنـا وتتصرف بمصائرنـا ومصير بلدنـا ؟ أم نكابـر ونكتـب أو نـردد بلا إستحيـاء ( هل أراك في عــُلاك تبلـغ السِمـاك ) وعراقنـا الغالـي ينـزل كل يـوم درجـة ممـا كـان عليـه قبـل سبعـين عامــا ؟ كيـف نتجـرأ ونتحـدث عن كرامـة سحقهـا المفسـدون وسيـادة وطنيـة داسهـا الخونـة والجواسيـس وعـزة إنتقصهـا إذلال الخضوع لحكومـة تسـرق ثرواتنـا وتبيـح دماءنـا وتستهـين بتطلعاتنـا وبنظرتنـا الى الحيـاة المعاصـرة وتقتـل حتى الأمـل في دواخلنـا ؟ كيـف ندّعـي إنتماءنـا الى أبـو الثـوار الحسـين عليـه السـلام ونحن أهـون النـاس وأكثرهـم رضـى ً بالذلـة ......