من الذي انتصر؟




ليس مهماً من سجّل أهدافاً في مرمى الآخر إعلامياً، في مناظرة يوم الخميس على التلفزيون الأردني الرسمي، سواء كان الطرف الرسمي ممثلاً بنائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي أو المعارضة الإسلامية الوطنية ممثلة بأمين عام جبهة العمل الإسلامي الشيخ حمزة منصور.. وليس موضوعنا الرئيس كم كان عدد المتظاهرين في مسيرات أمس الجمعة، وفيما إذا كان يشكل انتصاراً للمعارضة أم أنّ الحكومة استبقت ذلك بـ"قرارات شعبية".

من ينتصر هو الأردن، نحن جميعاً، عندما نشاهد مناظرات إعلامية وتلفزيونية بهذا المستوى من السقف السياسي الجريء، وعندما يتاح للرأي العام الاستماع إلى وجهات نظر جريئة ونقدية متبادلة، وعندما تسود لغة الانفتاح والحوار والصراحة في منابرنا الإعلامية الوطنية لتستقطب المشاهد الأردني من جديد، ويستمتع الناس بمتابعة حوار يمس فعلاً همومهم الوطنية.

ليس المطلوب أن يأتي كل طرف، سواء من الحكومة أو المعارضة ليسمّع درسه ويقدّم موقفه، بل أن يحدث حوار معمق حقيقي، وأن يدخل الناس إلى الأجواء التي تحكم مواقف الحكومة والأحزاب والقوى السياسية، سواء في مناظرة الخميس أو التي سبقتها وشارك فيها الشيخ سالم الفلاحات (بسقف مرتفع جداً) مع أمين عام حزب حشد النائب المعارض السيدة عبلة أبو علبة، في مقابل وزير التنمية السياسية، موسى المعايطة.

من يستحق الاحترام هو الأردن، عندما تخرج مسيرات ومظاهرات واسعة تبدأ بسلام، وتنتهي بسلام، مع أن هتافاتها الرئيسة هي المطالبة بإسقاط الحكومة وحل البرلمان، فهذا المشهد بحد ذاته يعكس وطناً ومجتمعاً حضارياً نموذجياً، وفي النهاية لم يخسر أحد بل كسب الجميع، والصورة الإعلامية ستتغير جذرياً عن تلك التي رسمتها العقلية العرفية في التعامل مع سقف الحريات العامة خلال السنوات الماضية.

لماذا لم يحدث هذا الانفتاح سابقاً، ولم نلمس بعض ثمراته؟ هذا السؤال برسم الإجابة عنه من قبل الدولة والمسؤولين الذين ينظّرون باتجاه الانسداد وإغلاق القنوات في التعبير وتأزيم المشهد السياسي، وخلق الاحتقانات الداخلية بلا أي مبرر.

المهم ألا تكون "جمعة مشمشية"، ومن ثم "تعود حليمة إلى عادتها القديمة"، بل على العكس من ذلك، فإنّ هذا الانفتاح لا بد أن يكون خطوة أولى نحو حوار وطني أكثر عمقاً ومنهجية، ووقائع ملموسة على أرض الواقع تمثل استدراكاً واستدارة كاملة على العقلية السابقة التي أفرزت لنا احتقاناً سياسياً واجتماعياً، وأزمات سياسية مركبة وخطرة لسعتنا بقوة.
الاستدارة الرسمية، سياسياً، جاءت متأخرة كثيراً، وكنا نأمل جميعاً لو كانت قبل الانتخابات النيابية، وأتت بمخرجات سياسية تستوعب حركة الشارع وتمثله، فنجد الاتجاهات السياسية داخل قبة البرلمان وتشارك في مسؤولية اتخاذ القرارات، لكن ما نتمناه هو أنّ ما نراه ليس سوى نقطة التحول باتجاه مسار آخر مختلف، إلى الطريق الديمقراطية بخطوات نرسمها نحن بإرادتنا.

في عصر التويتر والإعلام، وأمام مجتمع مسيس ويواجه ظروفاً اقتصادية صعبة وبيئة إقليمية متوترة، ليس مقبولاً ولا معقولاً أن تمارس الوصاية القمعية على الشعب والإعلام والحريات العامة، فذلك أشبه بحركات بهلوانية تريد إيقاف عجلة الإصلاح وصيرورة التاريخ.

ما أثبتته الملاحظات المحلية والخارجية أنّ ترسيخ الحياة الديمقراطية وتجذير روح التعددية والحريات العامة والمشاركة في صنع القرار بمثابة المظلة الأمنية الحقيقية التي تكفل الاستقرار السياسي والاجتماعي، وغيرها من أدوات حتى وإن حققت بعض النتائج الأمنية، فإنها تؤدي في نهاية اليوم إلى هشاشة سياسية واجتماعية، وأزمات تهدد المجتمع والدولة على السواء، أليس كذلك؟!