حوار "محلي" مع بنك "دولي"

أمضيت ساعات في قراءة "بطيئة" للتقرير الأخير للبنك الدولي عن الأردن بعنوان "مراجعة سياسة التنمية". ثم عدت للنسخة الانجليزية الموسعة على سبيل الاستزادة. والتقرير من إعداد أكثر من عشرة من خبراء البنك الأجانب، ولكن بالكاد تعثر على فكرة لم تتكرر عشرات المرات من قبل أردنيين "بلدي"، من شتى المناصب. غير أن التقرير مهم بسبب اختياره لهذه المجموعة بالذات من الأفكار، وجمعها في تقرير واحد قد يتحول الى سياسات.
التقرير جزء من حصة بلدنا في التجربة طويلة المدى في مجال الإدارة الدولية المركزية للاقتصادات الوطنية في الأطراف. لقد تم تزويد البنك بالمعلومات والبيانات، ثم قام خبراؤه بالصياغة النهائية على شكل تقييمات وتوصيات. إن خبراء البنك يتعاملون مع الدول باعتبارها نماذج وموديلات، يختارون ما يرغبون من عناصر، يُثَبّتون بعضها ويُغيّرون الآخر، وفي الأثناء يجري توحيد المفاهيم ومعانيها عالمياً، في مجال تتعدد فيه المفاهيم والمعاني.
الارتجال واضح في التقرير، ويبدو أنه معد لغايات الفرجة أكثر من القراءة، من ذلك مثلاً انه يحيل القارئ مرتين الى "الفصل الثالث"، ولكنك لن تعثر على شيء اسمه الفصل الثالث، حتى في النسخة الموسعة، وهو ما يعني احتمال أن النص منسوخ من مادة أخرى.
والأكثر غرابة أن التقرير يستند في أكثر من موقع الى وثيقة قديمة لم يعد أحد يذكرها لا بخير ولا بِشَر، اسمها "الأردن رؤية 2020"، وهي وثيقة "نِغْشة" شكلاً ولكنها غير مفيدة، مولتها وكالة المعونة الأمريكية، ويمكن في أحسن الأحوال اليوم ان تصنف في سياق الفكر الاقتصادي "الفكاهي" الذي ساد لسنوات ابتداء من عام 2000 الى أن انتهى غير مأسوف عليه، ومسامحاً بما أنفق.
الفكرة الأساسية التي يدور حولها التقرير هي ان الأردن كان يسير في الاتجاه الصحيح في الفترة ما بين 2000 الى 2008 ثم توقف عن مواصلة سيره ذاك، وهي الفترة التي يكاد مراجعو التنمية "المحليون" يجمعون على أنها فترة تدمير ما تم بناؤه، وخاصة في القطاعات التي تعد أساساً لأية تنمية، بدليل ان أحداً من أصحاب وقادة تلك الفترة لا يجرؤ اليوم على الدفاع عنها، وأغلبهم هرب أو غاب عن الأنظار.
إن البنك يتبنى بالمطلق مدخل التركيز على النمو بعيداً عن التوزيع وبعيداً عن التدخل الايجابي للدولة، وتلك في ظروف بلدنا، وصفة خراب مميزة ومجربة. لكن البنك يقوم بذلك اليوم، بدرجة أعلى من التمويه، بدليل العنوان الفرعي للتقرير: "من أجل خلق فرص العمل".
البنك الدولي قام بـ"مراجعة" للتنمية فقدم تقريراً نموذجياً في "اللاتنمية".
 
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net
العرب اليوم