فهد الفانك يكتب: أفضل وزراء مالية وأسوأ أوضاع مالية
الأردن محظوظ بمجموعة من وزراء المالية المتميزين علمياً وعملياً وإخلاصاً وأمانة. يستطيع من يشاء أن يجهز قائمة بأسماء وزراء المالية المتعاقبين خلال ربع القرن الماضي، ابتداءً من باسل جردانة وانتهاء بأمية طوقان، ليجد أنهم جميعأً دون استثناء يستحقون الإعجاب محلياً ودولياً، ولم يكن أي منهم موضوعاً للإتهام بالفساد، وهي التهمة التي قلما نجا منها مسؤول.
ليس غريباً والحالة هذه أن تطلق بعض المجلات المصرفية المرموقة على وزير مالية أردني سابق لقب أفضل وزير مالية في العالم الثالث (محمد أبو حمور)، وأن يتلقى وزير مالية آخر (سليمان الحافظ) رسائل شكر وتقدير من رئاسة صندوق النقد الدولي على الإنجازات التي حققها.
الغريب في هذه الحالة أن يكون لدينا أفضل وزراء مالية ونعاني مع ذلك من أسوأ الاوضاع المالية المتمثلة في اتساع عجز الموازنة عامأً بعد آخر، وتفاقم المديونية لدرجة تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي، فما هو السر في هذه المفارقة..؟
هل يعني ذلك أن ظروف الأردن الموضوعية الصعبة هي التي تؤدي إلى هذه النتائج السلبية بحيث تصبح مهمة وزير المالية تلطيف القدر وليس رده؟ أم أن وزراء المالية ليسوا مسؤولين فعلاً عن مالية الدولة، بل أنهم مجرد جهات تنفذ قرارات وسياسات وتوجهات مفروضة عليهم من فوق.
آخر وزير مالية سابق هو سليمان الحافظ وقـّع نيابة عن الحكومة الأردنية التزاماً متجدداً مع صندوق النقد الدولي برفع أسعار الكهرباء خلال شهرين كشرط للحصول على الدفعة الثانية من قرض الصندوق البالغة 385 مليون دولار تشتد الحاجة إليها. وقد فعل ذلك في أيامه الاخيرة قبل أن يغادر الوزارة، وكان بإمكانه أن يؤجل التوقيع ويرحل المسؤولية إلى وزير المالية القادم، ولكنه آثر أن يضع توقيعه على قرار غير شعبي تفرضه مصالح البلد، اي أنه وضع المصلحة العامة فوق مصلحته الشخصية، وضرب مثلاً لما يجب أن يكون عليه وزير المالية المسؤول. وبدلاً من ترحيل المشكلة كما جرت العادة، قام بترحيل الحل واستحق الشكر والتقدير ليس من رئاسة صندوق النقد الدولي فقط بل من كل من يضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات الشخصية.