المديونية والمندوب الصندوقي


من الواضح أن العام الحالي هو عام المديونية الخارجية بعد أن جفت منابع المديونية الداخلية عبر مزاحمة الحكومات على فوائض ودائع البنوك على مدى السنوات الأخيرة حتى لم يبق منها ما يكفي لتمويل عجز موازنة الدولة للعام الحالي والمتوقع حسب مشروع موازنة 2013 أن يصل إلى نحو 3 مليارات دينار بين عجز الحكومة المركزية والمؤسسات المستقلة.
المديونية الخارجية المتوقعة للعام 2013 تتجاوز صافي المديونية الداخلية للمرة الأولى منذ نحو 7 سنوات، حيث من المتوقع أن تقترض الحكومة من المؤسسات الدولية (صندوق النقد بشكل أساسي) ما يقرب من 850 مليون دينار لدعم الموازنة العامة، ونحو مليار ومائة مليون سندات يورو بكفالة الولايات المتحدة، ونحو 36 مليونا أخرى قرضا لتمويل مشاريع رأسمالية.
أما القروض الداخلية للحكومة فستصل إلى نحو 3.5 مليار دينار أردني، بيد أن الحكومة يجب أن تسدد ديونا داخلية بنحو 3.6 مليار دينار، أي أن إجمالي ما ستقترضه داخليا لن يكفي لتسديد المستحقات الداخلية، وعليه فهناك ما يقرب من 100 مليون دينار يجب تسديدها من خلال القروض الخارجية. وهو تحول جديد في المالية العامة الأردنية، حيث بات الاقتراض الخارجي وسيلة لتسديد القروض الداخلية، إضافة إلى الدور الذي سيلعبه في تسديد العجز المالي الجاري، وفي تسديد أقساط القروض الخارجية، أي نقترض من الخارج لنسدد إلى الخارج مرة أخرى.
هذه الدوامة قد تنفع في الأجل القصير ولكنها لن تنفع دوما. بل وأثرها مدمر على الاقتصاد ما لم نقم بتعديل حالة معيشتنا لنستطيع العيش على "قد لحافنا" ونكافح تشوه التهرب الضريبي والمتأخرات الضريبية، ونحسن قاعدة إيرادات الدولة أفقيا، ونضبط أوجه الإسراف غير المبرر.
الواضح أن صندوق النقد الدولي تنبه إلى الوضع مسبقا، ووجد أن له الحق، طالما أنه المُقرض الرئيس للأردن هذه الأيام، أن يعين مندوبا له في وزارة المالية، حسب مصادر صحيفة الغد، ليقوم بمتابعة التزام الحكومة باتفاقية القرض الموقعة معه خاصة بعد إخلالها، على ما يبدو، بالالتزامات المتعلقة بتعديل تعرفة الكهرباء وغيرها.
وهو مندوب حرصه الأول أن يضمن للصندوق تمكن الحكومة من تسديد قروضه عند استحقاقها وتصرف الحكومة وفق المشروطية التي التزمت بها والتصرف وفق آداب وأدبيات تلك الاتفاقية.
وقد ذكرتني قصة المندوب هذه بأن بريطانيا كان لها مندوب سامٍ في العديد من الدول التي كانت تحت سلطتها ليضمن سير الأمور وعدم الخروج عن قواعد الوصاية والاحتلال الانتدابي. المندوب الصندوقي، نسبة إلى صندوق النقد الدولي، قد يتبعه مندوب أمريكي لأن الولايات المتحدة ستكون "كفيل دفا ووفاء" في قرض سندات اليورو البالغ أكثر من مليار دينار، والكفيل ضامن وله الحق من التأكد من حسن سير وسلوك المكفول خوفا من عودة الدائنين عليه. ولا نقول سوى "لا حول ولا قوة إلا بالله".