برلماننا يكتسب هيبة عربية


من حق الليبراليين وأصحاب أجندات التجنيس والتوطين والتطبيع والإخوان المسلمين، أن يتخذوا ما شاءوا من المواقف، إزاء كتلة "الشد العكسي" في البرلمان الأردني، لكن هذه الكتلة بالذات، هي التي بلورت موقفين رفعا أسهم الأردن عربيا، بالوقفة الشجاعة إلى جانب الدولة السورية وبتأمين الوزن الأساسي لقرار الأكثرية بتجميد العلاقة والمعاهدة مع العدو الإسرائيلي.
عربيا وإقليميا، حقق البرلمان الأردني بهذين الموقفين سبقا، واستحق التحية من الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله الذي نوّه بأهمية القرار، في ظروف الاستسلام العربي الراهنة، بغض النظر عن استجابة السلطة التنفيذية لحيثياته.
نصر الله منصف دائما، صافي النية والسريرة، جدّي لا يعرف الأحقاد والمواقف المسبقة، يكنّ الاحترام لجميع الشعوب العربية، ولا يتوانى عن الإشادة بكل موقف إيجابي يصدر عن أي جهة عربية، مهما كانت الخلافات معها، وفق معيار موضوعي هو معيار المواجهة، بكل أشكالها، مع العدو الرئيسي لأمتنا، الكيان الصهيوني.
هذا الإنصاف ثمين جدا عند الأردنيين المظلومين بشيطنتهم جميعا، من قبل أطراف يعتبر بعضها أن الأردن "مصطنع كله"، بل و" أن الأردنيين يصطفون جميعا مع نظامهم في السياق الإسرائيلي"! كما تقول الأبواق العنصرية المريضة.
عندما رفع سيّد المقاومة، يده، بالتحية لبرلماننا، شعرت بالفخر لنجاح الجهود الحثيثة التي بذلناها لتغيير الصورة النمطية عن الأردن، وإعادة اكتشاف صورته الواقعية، كمجتمع حي وحيوي، وكدولة وطنية تتصارع فيها تيارات اجتماعية سياسية ثقافية، لا ك"كيان وظيفي"، كما درجت أدبيات " ثوروية" ـ" شوفينية"، على وصفه وإدانته، واستسهال شطبه.
قرار البرلمان الأردني الثاني الذي لم يحظ بالأضواء، مع أنه الأهم، والصادر بالأكثرية، هو القرار الذي يطالب بإعادة النظر في معاهدة وادي عربة المشؤومة. وأريد أن أشير، هنا، إلى أن تجاهل السلطة التنفيذية لهذين القرارين البرلمانيين، سوف يضرب صدقية الادعاء بالإصلاحات السياسية، ويكشف، على الملأ، أن البرلمانية الأردنية، ليست شريكة في اتخاذ القرار. وهو ما سيكون له مفاعيله اللاحقة، شعبيا.
علّق نائب وزير الخارجية الإسرائيلية، زئيف ألكين، على قرارات البرلمان الأردني المعادية لإسرائيل، قائلا: هذه "مبادرة خطابية" طالما أن " القرار هو في أيدي الحكومة"، وهوّن من الأمر باعترافه بأن " البرلمان الأردني معاد لنا على كل حال"!
برلماننا، للعلم، ليس مكونا من إسلاميين أو معارضين تقليديين أو يساريين أو قوميين، وإنما هو مكون من ثلاثة كتل، تضم الرئيسية منها نواب بيروقراطية الدولة، المدنية والعسكرية، ونواب العشائر والمحافظات، مع كتلتين أصغر حجما من الليبراليين ونواب التجنيس والتوطين والتطبيع. وهؤلاء غابوا عن جلسة مجلس النواب التي اتخذت القرارات المعادية لإسرائيل.
أعني أن ما يجب أن يلفت الانتباه، بالدرجة الأولى، أن ميول التصعيد ضد إسرائيل، وصلت إلى قوى وشخصيات من " أبناء النظام"، بل إن هؤلاء هم الذين يشكلون الوزن الراجح للتوجهات الرافضة للتدخل في سوريا، والمطالِبة بإعادة النظر الشاملة في العلاقات مع العدو الإسرائيلي، والراغبة في تجديد التحالف الأردني ـ العراقي، وتحسين العلاقات مع إيران.
ماذا يعكس ذلك، سوى أن الحركة الوطنية ( بتعدديتها التي تشتمل على بيروقراطية الدولة والعشائر والقوى اليسارية والقومية) تتسع، وتقوى، وتسعى للتعبير عن توجه الأكثرية الأردنية إلى استبدال التموضع الاستراتيجي، ليس، فقط، درءا لمخاطر المشروع الأميركي الإسرائيلي الرجعي للكونفدرالية كصيغة للوطن البديل، بل، أيضا، عن التوق لاستنهاض قيم الذود عن السيادة والشوق إلى الكرامة الوطنية. وفي هذا السياق، فإن الفهم الموضوعي المنصف للحالة الأردنية وظروفها وامكاناتها، لدى القائدين، بشار الأسد وحسن نصرالله، سوف يلعب دورا مهما في تعزيز قوة الحركة الوطنية الأردنية، والتيارات الوطنية داخل بيروقراطية الدولة وخارجها.