الملك ينهي توزير النواب
|
نبيل غيشان
الجمع بين الوزارة والنيابة فكرة تحمل الدمار والخراب للعملية السياسية بمجملها وتعرقل عملية الاصلاح
كما توقعت قبل ايام. فقد تدخل القصر الملكي في اللحظة المناسبة ليحسم بطريقة ادبية بعيدة عن الامر والنهي مطلب توزير النواب وتوجه رئيس الحكومة لاجراء تعديل وزاري يدخل بموجبه عدد من النواب في الحكومة.
بكل صراحة لقد فاجأ رئيس الوزراء القصر الملكي باعلانه انتظار عودة جلالة الملك من واشنطن ليستأذنه باجراء تعديل وزاري يدخل فيه عدد من النواب في الحكومة، الاعلان بحد ذاته قد يكون نتيجة "ابتزاز" مارسه بعض النواب على الحكومة ليلة الثقة، لكنه في الوقت ذاته أحرج القصر الملكي وربط مسألة التوزير بعودة جلالته، وهو ما يخالف العرف السياسي في تعديل الحكومات والذي عادة ما يتم الاعلان عنه بعد استئذان الملك وليس قبله.
الملك وضع النواب امام مسؤولياتهم، وذكرهم بان الرأي العام يراقبهم ، وان المرحلة لم تنضج بعد لتنفيذ فكرة توزير النواب، وهذا ما سمعناه في خطاب العرش عندما تحدث جلالة الملك عن "المسؤولية التاريخية على النواب والاعيان لتمثيل الاردنيين وأداء أمانة الرقابة والتشريع" ولم يقل القيام بالدور التنفيذي.
وقد حدد جلالته شروط وظروف توزير النواب في ورقته النقاشية الثالثة والتي ربطها بتقوية الاحزاب والكتل البرلمانية عندما تحدث عن ضرورة وضع ضوابط للعملية السياسية وتلبية متطلبات جوهرية يجب المحافظة عليها في حالة الجمع بين الوزارة والنيابة " أولها، وجود منظومة متطورة من الضوابط العملية لمبادئ الفصل والتوازن بين السلطات وآليات الرقابة، ثانيها، أن يكون إشراك النواب في الحكومة متدرجاً، وبالتوازي مع نضج العمل السياسي النيابي الحزبي، ثالثها، تطوير عمل الجهاز الحكومي ليصبح أكثر مهنية وحيادا وبعيدا عن تسييس الأداء، ليكون مرجعاً موثوقاً للمعرفة والمساندة الفنية والمهنية لدعم وزراء الحكومات البرلمانية في صنع القرار".
ان توزير النواب فكرة تحمل في ثناياها بذور الدمار والخراب للعملية السياسية بمجملها، وتعرقل كل عمليات الاصلاح، لأن النائب لن يستطيع ان يحمل "بطيختين في يد واحدة" وهنا جاء جلالة الملك ليقول للنواب "اتركوا التوزير وركزوا على عملكم الذي ينتظره الناس" وهو يأمل في أن يحضر النواب البيئة الحاضنة لتطوير عمل مجلس النواب وتقوية الكتل البرلمانية وتغيير اسلوب إدارة الجلسات ، وتحويلها الى حلقات انتاجية سريعة بعيدا عن المزاجية ومحاولات اعاقة العمل تحت القبة والتي ظهرت جليا في الاونة الاخيرة.
وليس خافيا ان الرأي العام ينتظر ان يقوم مجلس النواب بدور حاسم في مجال التشريع لينجز كل التشريعات المتوقفة والتي تهم المواطن في كافة القطاعات مثل الضمان الاجتماعي وقانون المالكين والمستأجرين وحقوق العمال وحماية المستهلك ومنع الاحتكار ومحاربة الفساد وتنمية المحافظات، وكلها تشريعات تؤثر على حياة الناس ومصالحهم اليومية.
وقد لاحظنا بعد كلام جلالة الملك ان هناك من بدأ يشهر سلاح سحب الثقة بوجه الحكومة بحجة عدم الاستجابة لقرارات مجلس النواب الاخيرة والخاصة بطلب طرد السفير الاسرائيلي من عمان ، وسحب السفير الاردني من تل ابيب والغاء معاهدة السلام مع اسرائيل، وهذا حق للنواب، لكن نرجو ان لا يكون ذلك الاجراء مرتبطا "بزعل " على الغاء فكرة التعديل الوزاري.
بكل وضوح لقد انقذ جلالة الملك العملية السياسية وانقذ مجلس النواب وسمعته وانقذ الحكومة، فالتوزير مثل الطلاق مباح لكنه ابغض الحلال، الملك اراد ان يحفظ كرامة النواب وسمعة المجلس النيابي، وما على النواب سوى ان يستغلوا عودة الثقة الشعبية بهم وان يبنوا عليها ، وان يعلنوا لقواعدهم الانتخابية انهم يؤيدون موقف جلالة الملك من "الوزرنة" وأنهم ليسوا "طلاب مناصب". |
||