همس المدن...!

- ما كنت لأبدأ بهذا ، إلا لأقول ، سُحقا للعُصابيين ، الإنقساميين ، الجهويين ، الإقليميين الذين لم ينصتوا يوما لهمس المدن بين جغرافيا وديموغرافيا جنوب الديار الشامية ، وما تركيزي على مدن الجنوب اليوم ، إلا لمناسبة مشهد الحياة على إيقاع الموت ، وقد إلتحمت بالأمس الطفيلة بخليل الرحمن ، وإمتزج الطفايلة بالخلايلة ، فلم تعُد تعرف من يُعزي من...؟. 

-جلست في ركن قصي من أركان قاعة جمعية خليل الرحمن ، أتابع أفواج المُعزّين برجلين من آل عمرو ، الأول:: المحامي وائل أحمد عمرو وهو بمثابة شقيقي بيولوجيا -""إبن عمي شقيق أبي وإبن خالتي شقيقة أمي""-، والثاني:: العم الجليل موسى محمود عمرو ""موسى الطفيلي"" كما هو معروفٌ في أوساط عشيرة عمرو ، وهو من أيقظ ذاكرتي وإستفزها.
-لم تستمر متابعتي لأفواج المُعزين طويلا ، حتى أوكلت المرحوميّن لبارئهما ، وقرأت الفاتحة على روحيّهما ودعوت لهما ماتيسر من الدعاء، لإعالج خلجات العقل والضمير ، التي دفعتني لأرقب مشهدا فطريا لم يغب لحظة عن بالي ، أو تَهُّن تجاهه قناعاتي ، حيث أكرر وسأبقى أكرر متمسكا بالحقيقة الحتمية ، بأن ما يربط الأردنيين والفلسطينيين ، هي علاقة حياة ومصير ، كما يقول ويردد دوما طويل العُمر بإذن الله ، الأستاذ الدكتور سعيد التل. 

- رُغم ما أُعانيه من متاعب ، وعانيته طيلة شهر مضى ، مُمزقا بين ترتيبات زواج إبني البكر محمود ، الذي كان محددا في 24 الشهر الجاري ، ، وبين المرض العُضال الذي باغت المرحوم وائل وفتك به، ناهيك عن أوضاعي المالية القهرية ، رُغم كل ذلك لم ، وبإذن الله لن أغادر مُتكأي على كتف الأشم شيحان الكرك الأبية ، التي يحتوي ترابها أجدادي الأولين ، ولي في ذاك المُتكأ ليالٍ أقضيها ، أسترخي على أنغام البوح الليلي بين الأشمين ، شيحان الكرك وشقيق روحه كنعان في خليل الرحمن ، لأُمضي ليلتي أمس مُتناغما مع الطفيلة ، الكرك ، معان وخليل الرحمن، ومشهد الحياة يتجدد على إيقاع الموت ، ومن ثم جلست فوق قلعة عجلون ، لأستمع لهدير بحر عكا غاضبا على أمة هانت عليها القدس. 

- أفقت على نفسي لحظة ، فوجدتني ضائعا ، مُشتتا ومبددا ، أشك في أي مكان أنا ، هل أنا في إربد ، يافا ، الرويشد ، أم جنين ، لا لست هنا أو هناك ، أنا أسجد لله في أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، ولكن حين خرجت من الحرم القدسي الشريف ، شعرت أنّي مُصاب بلعنة الهذيان ، وأصبح الأمر يختلط عليّ ، جسدي مُفتت ، ووجداني موزع بين القدس وعمان ، آهٍ يا عمان ، آهٍ يا عمان...!!! إلى متى يتلاعب بنا أدعياء الوطنية وزمرة الغلمان...؟ ذاك يهذر بالحقوق المنقوصة وآخر يبحث عن الحقوق الزائدة ، يرجومون بعضهم بالكنفدرالية وآخرون بالإقصائية ، وأبو قطر يريدها دولة يهودية ، تبتلع القدس وعمان في ذات الأوان ، أين أنا ، ومن أين أنااااااااا...؟ ، خليلي ، طفيلي ، مقدسي ، عَمّاني ، كركي ، جنيني ،عجلوني ، يافاوي أم إربدي اللون حوراني ، أنا كل ذلك ، أنا عربي ، مسلم وأؤمن بعيسى بن مريم عليه السلام . 

-بالطبع لست سعيدا بموت عمي وشقيقي ، لكنه الإيمان بالله العظيم ، بحكمته وبالقضاء والقدر الرباني الذي لا راد له ، فأشعر أني مرتاح أن تعززت قناعتي ، وتأكدتُ أن الخير فينا باق ، كما ورد عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ما معناه ، الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة ، وهو يحفزني أن أستمر حربا على القوى الظلامية ، التي تسعى لإضعاف الأردن وتهويد فلسطين ، بوعي البعض من ذوي الأجندات غير الأردنية والفلسطينية الصادقة الوطنية ، أو بغير وعيًّ من قبل بعض الجهلة والرويبضة الذين يتصدون للفتوى السياسية ، بدعوى الوطنية ، فيما الوطنية بريئة منهم حين تغيب الواقعية والمنهاجية العقلانية ، أو من شلة المغامرين الذين يظنون أن بمقدور الأردن القفز في الهواء ، دون أن تُسحق عظامهم قبل غيرهم ، ليُضحي نداء التعقل ، تصليب الجبهة الداخلية وتمتين الوحدة الوطنية ، هي المقدمة الأولى لحماية الأردن ، والسعي السليم لإستعادة فلسطين ، اللهم إرحم أمواتنا وأموات المسلمين أجمعين.