الاردن وسوريا وطرد السفير الاسرائيلي
بات الاردن وبفعل التطورات المعقدة والمتسارعة في بلد الجار السوري يحتل مكانة بارزة في دائرة الاهتمام العربي والدولي، ليس فقط باعتباره دولة ممر (ترانزيت) وانما ايضا باعتباره طرفا اساسيا في الصراع، وان حاولت حكومته جاهدة اخفاء هذه الحقيقة بادعاء الحياد.
في الاسبوع الماضي احتل الاردن العناوين الرئيسية في الصحف ونشرات التلفزة لسببين رئيسيين: الاول تصريحات وزير خارجيته السيد ناصر جودة التي توقع فيها ان يشكل اللاجئون السوريون نصف تعداد سكان البلاد في غضـــون عامـــين، او اقل او اكثر، والثاني تصويت مجلس النواب الاردني (البرلمان) بالاجماع على طرد السفير الاسرائيلي من العاصمة عمان، بسبب الاقتحامات الاسرائيلية المتكررة للمسجد الاقصى.
لنترك الحديث عن اللاجئين السوريين ونسبتهم في الاردن جانبا، ولو مؤقتا، لكي نركز على التطور الأحدث، والاكثر اهمية في رأينا، اي الهبة التي بدأت تأخذ قوة دفع متزايدة، والالتفات وبهذه القوة الى القدس المحتلة ومعالمها الدينية، الاسلامية والمسيحية، والمسجد الاقصى على وجه الخصوص.
‘ ‘ ‘
هناك تفسيران لهذا الحراك القوي والمتسارع تجاه المدينة المقدسة:
*الاول: يرى انه حراك عفوي يعكس حالة غضب متنامية في اوساط الشارع الاردني فجّره اعتقال الشيخ محمد حسين، امام المسجد الاقصى، واقدام اسرائيل على بناء مستوطنات او احياء استيطانية جديدة، واقتحام المستوطنين للمسجد، وتوارد احاديث شبه مؤكدة عن وجود مخطط اسرائيلي لتقسيمه بحيث يكون جانب منه لصلاة اليهود، وجانب آخر للمسلمين، في تكرار متطابق لسيناريو الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل المحتلة.
*الثاني: يعتقد ان السلطات الاردنية اوعزت بهذا الحراك بسبب استيائها من تجاهل دور عاهلها والحصانة التي يتمتع بها على الاماكن المقدسة، وتزايد التكهنات حول تسوية يجري طبخها في الغرف الامريكية المغلقة على يد جون كيري وزير الخارجية الامريكي تستبعد اي دور للاردن فيها. وهناك من يقول ايضا ان الاردن الرسمي اراد هذا الحراك للتغطية على دور كبير ومباشر يمكن ان يقوم به في الملف السوري، سواء تجاه اقامة منطقة عازلة او حظر جوي تكون نقطة انطلاق للمعارضة ‘المعتدلة’ لاسقاط النظام، او لمواجهة الجماعات الاسلامية المتشددة.
كلا التفسيرين جائزان سواء منفردين او مجتمعين، فالاردن يعيش حاليا فوق صفيح ساخن جدا، دون ان يملك اي حصانة قوية تجاه اي تطورات اقليمية او داخلية مفاجئة، بسبب احتمالات متزايدة لتفجر ملفي الازمتين المحيطتين به وهما سورية وفلسطين، مثلما تنبئنا صفحات مهمة من تاريخه الحديث.
الاردن يعيش هذه الايام ظروفا مشابهة لتلك التي وقعت في اعقاب هزيمة عام 1967، اي تدفق اعداد هائلة من النازحين الى ارضه، وعجز شبه كامل امني واقتصادي عن التعاطي معه، نظرا لامكانيات البلاد المحدودة، وتزايد التدخلات الخارجية الاقليمية والدولية لاستغلال هذا العجز، وتمثل هذا بوضوح في نشوء ظاهرة المقاومة الفلسطينية وباقي القصة معروفة.
من الصعب علينا التكهن بتكرار السيناريو نفسه في ما يتعلق بتدفق اللاجئين السوريين، وان كانت هناك مؤشرات عن بدء حدوث اضطرابات لأسباب عديدة، ومن غير المستبعد وجود اعداد كبيرة من انصار النظام في اوساط هؤلاء اللاجئين، قد يتم تأطيرهم في جماعات او منظمات تتجه بانظارها نحو الشمال (سورية) او الغرب (فلسطين)، خاصة ان هناك توجها لفتح جبهة الجولان، وتحويل سورية كلها الى جبهة مقاومة.
الأزمة السورية ستحسم لهذا الطرف (النظام) او ذاك (المعارضة) ان آجلا او عاجلا، وهذا الحسم سيؤدي حتما الى عودة المئات او الآلاف من المجاهدين الى الاردن، من ابنائه او ضيوفه الذين سهّل مرورهم الى سورية، فإذا عاد هؤلاء فإنهم لن يتقاعدوا حتما، وسيواصلون مسيرة الجهاد لفرض ايديولوجيتهم او لنيل شرف الشهادة، وليس هناك اكثر قداسة من الشهادة على درب المسجد الاقصى.
ولن يختلف الأمر سواء عادوا منتصرين او محبطين بسبب تآمر قوى عالمية ضدهم لانهاء وجودهم في سورية، وكل الاحتمالات واردة.
السلطات الاردنية التي تجاوبت مع ضغوط دول اقليمية ودولية ابتزازية لفتح حدودها لشحنات السلاح والمتطوعين لدعم الثورة السورية، قد تجد نفسها مضطرة للتجاوب مع ضغط الشارع الذي يريد مواقف اكثر حسما تجاه العدوان الاسرائيلي، ليس فقط في طرد السفير الاسرائيلي، وانما الغاء معاهدة وادي عربة برمتها التي شرّعت وجوده وسفارته وعلمه في قلب العاصمة الاردنية.
‘ ‘ ‘
الحراك السياسي المطالب بالاصلاح الذي خمدت حدته قليلا في الاسابيع الاخيرة، قد يلبس ثوبا جديدا حول قضية تضع انقسام الشارع الاردني حول سورية جانبا، الا وهي التصدي لاستفزازات الاحتلال الاسرائيلي، والتطلع لتحرير المسجد الاقصى. فهذه هي القضية الابرز التي توحد الاردنيين، اسلاميين وغير اسلاميين، شرق اردنيين او فلسطينيين.
الشارع الاردني، مثل جميع الشوارع العربية الاخرى، في دول وصلها الربيع العربي او لم يصلها، بسبب انتكاسات اقتصادية واخرى على صعيد تراجع الحريات والانضباط الامني، وغياب اي دور عربي فاعل، وتغوّل الاذلال الاسرائيلي والهيمنة الامريكية.
في الاردن دين عام يقترب من سقف العشرين مليار دولار، وعجز في الميزانية يصل الى ملياري دولار على الاقل، وغلاء فاحش وبطالة متفاقمة، وهوّة سحيقة بين الاغنياء والفقراء، وبخل عربي خليجي غير مسبوق، وهذه كلها مجتمعة تشكل وصفة للانفجار.
الطريقة الامثل لتنفيس هذا الاحتقان هي التوجه غربا، وتحويل الضغوط الى الاحتلال الاسرائيلي، في ضربة استباقية لأي محاولة من جانبه لتصدير ازماته المقبلة والوشيكة، استنادا الى الملف السوري، الى الاردن.
النواب الاردنيون الوطنيون، وكلهم كذلك، وضعوا خريطة طريق واضحة، للشعب والسلطات، عندما اقروا بالاجماع التوجه غربا، وطالبوا بطرد السفير الاسرائيلي والغاء معاهدة وادي عربة.. انها رؤية متقدمة جدا، يجب على الحكومة تبنيها.
القدس العربي