الخدعة المخابراتية


اكتشفت المخابرات البريطانية بواسطة عميل لها زرعته في مكتب رئيس وزراء الهندي جواهر لال نهرو رسالة موجهة من الرئيس جمال عبد الناصر يرجو بها القائد الهندى التوسط لدى الزعيم عبد الكريم قاسم في بغداد لحل الخلافات بين القاهرة والعراق، ويقول فيها الرئيس المصري لئن أصر الزعيم عبد الكريم قاسم على لقب الزعيم الاوحد فساكون اول من يناديه به ويعترف له بكل ما يريد، فالمعركة مع اسرائيل وبريطانيا تفرض علينا جميعاً استقطاب قوى الشعب العراقي بكل امكانياته العسكرية والسياسية والاقتصادية. واعرب عبد الناصر عن قناعته « ان الصديق المشترك القادم من موسكو ميكويان قادر على الاسهام في هذه المصالحة».وبعد اكتشاف الرسالة وتحليلها، قررت المخابرات البريطانية اجهاض مشروع المصالحة باي ثمن، نظرا لما يشكله ذلك من خطر على مصالحها الاقتصادية والعسكرية والسياسية في المنطقة عموما، وفي الخليج الذي لم ينل استقلاله بعد.
وبعد شهرين من اكتشاف الرسالة، ظهر فجأة في دمشق ضابط عراقي، وذكر للمسؤولين هناك انه مندوب عن تنظيم للضباط الاحرار العراقيين الذين يعادون عبد الكريم قاسم، ويعملون على الاطاحة به بواسطة انقلاب عسكري حاسم، نظرا لميوله المعادية للتوجهات القومية والعربية، وبسبب تصفيته لكبار الجنرالات اصحاب الخبرة القتالية مثل ناظم الطبقجلى ورفيق الداغستاني.وان أولئك الضباط قد اختاروا اللواء الركن ناجي طالب ليكون رئيساً للجمهورية.
ثم لجأ ذلك الضابط الى وسائل الاعلام يوم 4/ 7/ 1960 حيث اعلن ان الرئيس عبد الناصر يخطط لمؤامرة ضد الرئيس عبد الكريم قاسم، وان القاهرة على اتصال مستمر مع مجموعة من منظمة الضباط الاحرار العراقيين
الذين يعتزمون اعلان انضمام العراق الى مصر وسوريا في اطار سياسي واحد وهو الجمهورية العربية المتحدة.
وعلى إثر ذلك المؤتمر الصحفي، شن الرئيس عبد الكريم قاسم هجوما قاسيا على القاهرة ودمشق.كما قام قائد القوة الجوية العراقية العقيد طيار جلال الاوقاتي بتصفية كل طيار او ظابط يُشتبه بتردده على المساجد، او بانتماء عائلته الى تنظيم القوميين العرب او الى حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان منتشراً بشكل واسع في فترة الحكم الملكي الهاشمي قبل 14/ 7/ 1958.
وقد كان المؤتمر الصحفي يوم 4/ 7/ 1960 يوما مفصلياً في تحويل توجهات بغداد السياسية لتناصب عبد الناصر العداء، ولتسعى على احباط مشاريعه القومية في المنطقة كلها.
وهكذا تلقى القائد الهندي جواهر لال نهرو رسالة من بغداد تشرح فيها ما ذكره ضباط معتقلون عن مؤامرات يخطط لها عبد الناصر ضد « الزعيم الاوحد !!! عبد الكريم قاسم «
ونجحت الخطة المخابراتية، وما قام به الزعيم الاوحد يشكل الفصل الخامس من محاولات لابعاد العراق او استبعاده عن المشاركة في اي جهد مشترك فيما كان يُدعى تنسيقية دول الطوق اوحشود استراتيجية الكماشة المحيطة بفلسطين.
وقد تكررت فصول مماثلة عديدة وبمبررات جيواستراتيجية مقنعة منذ ان وصل الى بغداد سماحة الحاج امين الحسيني في نيسان 1941 وحل بضيافة رشيد عالي الكيلاني رئيس وزراء العراق.

الرأي