شكرا للزيت والسكر، :ولكننا نريد عقدا اجتماعيا
ا بدأت الاحتجاجات التي صنعها الشباب الجزائري دون إيعاز أو سابق إنذار وتوقفت قبل أن يستغلها أي طرف، ليس بسبب تخفيض أسعار الزيت والسكر، ولكن وعيا من هؤلاء الشباب بأن حركتهم كانت ستأخذ منعرجا آخر لو استمرت بنفس المستوى واتسعت رقعتها أكثر واستحوذ عليها المغامرون
-
وهو دليل على عظمة هذا الشعب الذي لا يمكن أن نختزل مشاكله في كيلوغرام من السكر ولتر من الزيت، ودليل آخر على أن الوطن يبقى خطا أحمر عند أبنائنا لا يسمحون بتجاوزه حين يصل الأمر إلى النهب والرعب والتخريب والمساس بمكتسبات الأمة..
-
الاحتجاجات توقفت، ولكن الغضب لم يتوقف في أوساط شبابنا إزاء ظروف صعبة ومشاكل كثيرة لا ينكرها أحد، ويجب أن لا نغفل عنها أو نحصرها في مشكلة ارتفاع الأسعار، وسنخطئ مع أبنائنا لو اعتقدنا بأن الغضب زال وترددنا في تصحيح الاختلالات الحاصلة في المجتمع، مثلما أخطأنا وأسأنا التقدير في كل مرة تجاه جيل يجب أن نرفع له التحية لأنه توقف بمحض إرادته عن الاحتجاج ولم يستجب للنداءات المباشرة وغير المباشرة للعصيان المدني والاستمرار في التصعيد !
-
سنخطئ لو اعتقدنا بأن الاحتجاجات كانت مجرد صدفة، وقادها شبان صغار مارسوا أعمال عنف ونهب وسرقة، وأنه توقف كل شيء وزال الغضب وزالت أسبابه، وسنخطئ أيضا لو قسونا عليهم لأن حياتهم قاسية ومعاناتهم كبيرة ونشأتهم صعبة، لأنهم ولدوا في سنوات الدم والدمار وخرجوا من رحم المأساة الوطنية ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم ويؤطرهم، وسئموا من الوعود ومن آلاف الجمعيات التي تمولها الدولة لكي تطلب المزيد من التمويل من أجل ممارسة التضليل والكذب علينا بأنها تقوم بواجباتها تجاه أبنائنا، ولكنها عند الاختبار اختفت كلها عن الأنظار.
-
صحيح أن الاحتجاجات خرجت عن مسارها من طرف شبان مارسوا السرقة والنهب، ولكنهم يبقون أبناءنا وإخواننا وهم منا وإلينا، وسنخطئ خطأ فادحا لو تبرأنا منهم أو لم نصغ إليهم ولم نقم نحوهم بواجبنا التربوي والردعي في الأسرة والمدرسة وجمعيات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة التي تتوفر عليها الوزارات والولايات والبلديات.
-
شباب الجزائر اليوم بحاجة إلى فتح نقاش آخر مع السلطات العمومية مباشرة ودون وسيط، من أجل الوصول إلى عقد اجتماعي في إطار مشروع المجتمع الذي نريده لأبنائنا.. عقدٍ يحدد الأولويات والحقوق والواجبات، ويقنن العلاقات فيما بيننا على أسس ومبادئ يحترمها الغني والفقير، والعامي وابن الوزير، والغفير والمدير، وتتحدد فيها المسؤوليات والأجندة الاجتماعية التي تُعنَى بكل فئات المجتمع دون إقصاء أو مزايدة على بعضنا بعضا:
-
- عقد اجتماعي يقوم على ضرورة فهم ما حصل هذه المرة وكيف ولماذا، وفهم ما يريده هؤلاء الشبان وما فعلناه من أجلهم وما فعلوه من أجل الوطن، فضلا عن فهم ما هو منتظر منهم ومن السلطات العمومية خلال العشرية المقبلة.. ومن هنا سيتحدد مضمون العقد الذي نريده.
-
- عقد ومشروع اجتماعي يتيح الفرصة للجميع وتسوده العدالة الاجتماعية ونقدّر فيه الجهد، ولا نعاقب أبناءنا على مواقفهم وانتماءاتهم السياسية ولا على مكان مولدهم أو نسبهم، بل نحاسبهم على عطائهم ومجهودهم ومقدرتهم على مسايرة احتياجات الوطن.
-
- عقد ومشروع لا مكان فيه للجهوية والعشائرية والمحسوبية والرشوة و"الحڤرة" والإقصاء، وكل واحد منا يحترم فيه المبادئ والقواعد والقوانين.
-
- عقد ومشروع مجتمع يحترم مشاعر الشعب فلا يحتقره أو يستصغره، ولا يدفعه للخروج إلى الشارع كي يتظاهر ويعبر عن مشاعره، بل يحتضنه بسلبياته وإيجابياته ويتحاور معه من خلال مؤسساته وجمعياته، وبالتالي يعيد النظر في الميكانيزمات السائدة اليوم.
-
- عقد ومشروع مجتمع يقدّس الوطن والجهد والعمل، ويقدّر الكفاءات من الرجال والنساء ويسعى لاستقطابها واستيعابها في وطن يسع الجميع، وهو بحاجة إلى الجميع.
-
- عقد ومشروع يعيد الأمل لأبنائنا ويغنيهم عن "الحرڤة" والهجرة، ويمنحهم الفرصة لتحمل المسؤولية وإحداث التغيير الذي يتلاءم مع التحولات التي يشهدها العالم وتقتضيها المتطلبات المحلية.
-
- عقد ومشروع عنوانُه مكافأة من يصيب وينجح، وتسديدُ من يخطئ ويجنح، ومعاقبة من يفسد ويخون، وإبعادُ من يثبت فشله وعجزه عن خدمة الأمة.
-
- عقد اجتماعي تتحمل فيه كل وزاراتنا وهيئاتنا الوطنية جانبا من المسؤولية عن الاهتمام بحاجات أبنائنا وبناتنا، وتفي بوعودها نحوهم تلقائيا دون أن تنتظر الانفجار الشعبي أو مناسبات المواعيد السياسية، لأننا في العام المقبل عند حلول موعد الانتخابات المحلية والتشريعية لن نجد ما نقوله لهم كي يشاركوا بأصواتهم فيها، لأنهم لن يصدقونا هذه المرة.
-
هذا العقد الاجتماعي يفرض نفسه اليوم لأن مشاكلنا اجتماعية تهدد كيان المجتمع، ومطالبنا اجتماعية تخص كل المجتمع، وعليه فالحلول لا يمكن إلا أن تكون اجتماعية وسياسية جريئة ومتفتحة على عالم لا يرحم ويتحول باستمرار في كل الاتجاهات.
-
شباب الجزائر لا يريد جنة في الأرض لأنها من المستحيلات، ولكن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وهو الذي أنعم على الجزائر بالخيرات والرجال والنساء والشباب، ووهبنا القناعة وحب الوطن، وأعطانا جيلا من الشباب أثبت استعداده لتلبية النداء مهما كانت الظروف، دفاعا عن الوطن، وتحقيقا للتضامن.. حتى في وقت الكوارث والمحن.