السؤال الذي أطرحه هنا: مالفرق بين موظفي الجمارك وموظفي ضريبة الدخل وبين موظفي المحاكم، وأيهم يبذل جهدا أكبر في العمل؟ وأيهم يعاني من مخاطر العمل أكثر؟
لا أتفق مع موظفي المحاكم في توقفهم عن العمل وشلل مرفق العدالة ولكننا لانملك أيضا الا التعاطف مع مطالبهم وقد قلنا أكثر من مرة أن جهود تطوير السلطة القضائية تركز على أوضاع السادة القضاة وتهمل أهمالا تاما أوضاع كتاب وموظفي المحاكم والذين بدونهم لن تفتتح جلسة ولن يعمل القاضي شيئا أكثر من شرب القهوة وقراءة الصحف!
لقد أدى هذا الاهمال الى تفاوت كبير بين القضاة وبين موظفي المحاكم في الرواتب والامتيازات كما تم أغلاق الباب في وجه الموظفين الحقوقيين منهم للوصول الى منصب القضاء كما كان متبعا سابقا وأدى الى تنافس الموظفين الحقوقيين أصحاب الخبرات الطويلة في أمتحانات أختيار القضاة في حينه.
وفي الوقت الذي أغدقت فيه الحكومات على موظفي الدوائر التي تحقق أيرادات مالية مباشرة للخزينة مثل الضريبة والجمارك فقد تناست موظفي المحاكم من حيث أهمية المرفق القضائي للدولة ومن حيث الجهد المضني الذي يبذلونه يوميا في خدمة العدالة وحتى من حيث كمية العائد المالي على الخزينة الناتج عن الاحكام والرسوم والغرامات.. الخ بالاضافة الى مخاطر العمل وصعوبته ومدى المسؤولية الجسيمة على الموظف في حفظ الملفات والوثائق من الضياع، ومتابعة تنفيذ الاحكام.. الخ.
والان وكما يقال بلغ السيل الزبى فالمحاكم في حالة شبه شلل والمواطن يتأفف ويشتكي والوزارة لا تملك ما تعطيه غير الوعود وإبر التخدير التي لا تجدي نفعا.
قبل عام ونصف تقريبا توقف موظفو قصر العدل عن العمل فسارع وزير العدل الاسبق الى الحضور والقى خطبة عصماء في الموظفين واستقبل ممثلين عنهم في قاعة جانبية وصرف من الوعود ما يفرح القلب ويطيب الخواطر، ولكن الوزير طار وجاء أخر وطار وهكذا دون أن يتحقق من الوعود شيء الى أن تبخر الامل ولم تعد سياسة التسويف والوعود تجدي نفعا بازاء اليأس الذي يعتمل في قلوب هذه الفئة من جهاز الدولة الاداري.
المدهش في الامر أن خزينة الدولة لن تتحمل عبئا ماليا في تحقيق مطالب موظفي المحاكم فالمبالغ موجودة وهي الفوائد البنكية السنوية على المبالغ التي تودعها دوائر التنفيذ (الاجراء) لدى البنوك، وهي أموال يتم تحصيلها لحساب أصحاب القضايا ومنها ما يبقى لسنوات، وتصل الى عدة ملايين، يفترض أنها لأصحاب تلك الاموال ولكن القانون لا يتيح توزيعها عليهم وتترك حاليا لوزارة العدل تتصرف بها.
ما زلنا نقول أن أنصاف موظفي المحاكم ضرورة لازمة لاستقلال القضاء وتحصينه من التدخلات ومن هوى النفس وعبث العابثين، وما زلنا نقول أن موظفي المحاكم من أكثر موظفي الدولة عملا في ساعات العمل الحقيقي، عمل متواصل يبدأ فعليا من الثامنة والنصف صباحا ويتواصل دون توقف حتى الثالثة تماما، ومن هنا نأمل أن لا 
تعود وزارة العدل الى صرف وعود تعجز أو لا ترغب بتنفيذها
المحامي محمد الصبيحي