يوم من حياة بدوي في الأردن




نحن في أول يوم من الشهر لذلك استيقظ أبو ذيب صاحب الخمسين عاما باكرا كاعادته اليوميه قام مسرعا يغسل وجهه الشاحب الذي رسم الزمن تفاصيل مرارته عليه ثم لبس جاكيته المفضل (الجيشي) وشماغه الذي اخذت الشمس حقها منه مازال الوقت باكرا لصلاة الفجر عليه ان يصلي في مركز الأعلاف الذي ينوي التوجه له هذا اليوم يذهب لتشغيل سيارته التي جار عليها الزمان لما لا وقد مضى على صنعها اكثر من اربعين عام لذلك هو يعلم ان الأمر بحاجه لقليل من الذكاء وعليه ان يضع سيارته في مكان منحدر لتتم عملية (التعشيق) بنجاح , ثمت مشكلة أخرى ان مقدار ما يستحقه في الكوشان هو 9.5 طن شعير شهريا ( اذا أجت القمرى على هوى الساري ) وان سعر الطن بعد الدعم ليوم الدعم (على ذمتهم) يصل 180 دينار وعند قيام ابو ذيب بالجمع والطرح والضرب فهو باع قبل يومين 8 نعجات بسعر 175 للواحده أذا عليه ان يتوجه لجاره أبو محمد للأقتراض منه لأكمال المبلغ على ان يسد دينات ابو محمد على البيعه القادمه بعدها انطلق ابو ذيب الى المركز وهو (حاط أيده على قلبه ) فهو يعرف جيدا ان الأمر غاية في الصعوبه ويحتاج للغمز وللمز و ( المباطحه ) والكثير من الحظ ليعود بشىء من مركز الأعلاف .

أخيرا وصل ابو ذيب الى مركز الأعلاف وهو يحمل كوشانه بيده وتوجه الى شباك الموظف المسؤول ليحجز دورا له عله يستطيع احضار علف لماشيته , لكن ما زال الوقت باكرا فالساعه السادسه صباحا والموظف لن يصل قبل التاسعه , وقف ابو ذيب مع مجموعه من الحاضرين الذين أتوا لنفس الغايه وتبادل معه الحديث حول هل هناك تسليم اليوم ؟ اجابه الجميع : الله يسمع منك يا ابو ذيب طرح اخرا سؤال عن اخبار الربيع في المنطقه ثم ترجل أحد الحاضرين يتحدث وبتذمر عن الأحوال بالنسبه لمواشيه التي تتذمر جوعا وهو بدوره يتذمر ألما لحالها وهو يضطر للبيع منها كل مره لأنقاذ البقيه حتى البيع بات غير مجدي في ضل إغراق السوق بالمواشي المستورده وقال ياريت نأخذ ما يكفي فما احصل عليه لا يكاد يكفي لعشرة أيام وبعدها اذهب للي ما يخافون الله( التجار ) وأشتري منهم بضعف الثمن . اكتفى ابو ذيب بالرد : ما حدا سائل عننا , وقال أخر: ذبحونا الحراميه .

بعد وقت ليس بالقليل غير ابو ذيب مسار الحديث عندما قال : (بصوت مرتفع ومضجرا) أعوذ بالله من الشيطان
الجميع : شو في يا ابو ذيب .
ابو ذيب : شرف المحترم !!! .
احد الموجودين : ( تعوضوا الله اليوم !!! ) .
أخر قائلا : مين هذا .
رد عليه ابو ذيب : هاذ عنده كوشان 250 طن وهو ما عنده ولا رأس غنم كيف الله أعلم !!! .

عندها وصل الموظف وهو يتأفف من حرارة الشمس مسرعا لغرفته واصطف الجميع لتسليم الكواشين و كل واحد منهم يعرف دوره , ولكن احد الموجودين لم يكترث لما يقومون به واكتفي بالحديث مع الموظف على انفراد و الموظف يهز برأسه ثم وقف جانبا أنه ( المحترم !!! ) .


عند وصل ابو ذيب الى الشباك قال : السلام عليكم
الموظف : هلا
ابو ذيب : يا خوي هذا الكوشان والله النعاج من اسبوع ما عندهن علف بالله عليك تمشيني .
الموظف : طيب استنى دورك.
ابو ذيب : يعني استلم اليوم .
الموظف : ان شاء الله خير .

رجع الجميع الى مكان تجمعهم تحت الشمس بعيدا عن غرفة الموظف فهو لا يحب ان يقترب احد من مكان تواجده , كانت هناك شاحنه واحده قد وصلت استلم منها البعض ومنهم احد رفاق ابو ذيب توجه له ابو ذيب مسرعا وسأله : انا اعطيت الموظف كوشاني قبلك كيف سلمك ؟
رد عليه رفيقه : يا خوي خليها على الله شاحنتين من الي جايات تحولوا على بيت (المحترم !!!) ويوم شفت هيك اعطيت الموظف عشرين دينار وسلمني نص الكميه .
ابو ذيب : كل الي استلموا أعطوه
رفيقه : انا لو ما كنت مستعجل و نعاجي ما عندهم ميه والله ما أعطيه بس الله على الظالم :

ابو ذيب انطلق للموظف وسأله : عن امكانية تسليمه .
فقال الموظف : اليوم صعب هاي الشاحنه كلها محجوزه .
ابو ذيب : بس انا من الفجر هون واعطيتك كوشاني قبل الي سلمتهم
الموظف : حجي انت بدك تحاسبني , كمان هم حاجزين من امس ,
... تعال بكره !!! .





يقال ان ابو ذيب عاد لمواشيه خائبا شاحبا لم يستلم حتى في اليوم الثاني ولا الثالث بسبب قدوم (محترمين !!! ) أخرين , أنما في اليوم الرابع استلم 3 طن من اصل 9.5 وبهذه الحاله وجب عليه التلكع على ابواب التجار وبيع بعض مواشيه كالعاده للشراء ما ييسر به امور مواشيه لحين قدوم الشهر الجديد .



سيداتي سادتي ما أرويه ليس قصه من الخيال حدثت في موزنبيق انما هيا يوم من يوميات بدوي يعيش في الأردن ينمو يكافح ويتحمل ويربي ويصمد وينتج ويمنح ثم يضحي ثم يعاني ثم يتألم ثم يتخبط ثم يضمر واخيرا يموت دون يعلم أحد بوجوده وسبب موته .



ايمن شافي الشرفات