توضيح الواضح في العدوان على سوريَّة

سعود قبيلات

كنتُ قد استهللتُ مقالي، هذا، بالقول: " أخيراً، انكشف كلّ شيء، وبانت صورة الاصطفافات السياسيَّة في المنطقة على حقيقتها، واتَّضحتْ أهداف الحرب على سوريَّة وأبعادها ومراميها". لكنَّني ما لبثتُ أنْ تساءلت: "أحقّاً لم تنكشف هذه الحقيقة إلا الآن؟ ألم تكن واضحة منذ مدَّة طويلة لكلّ ذي بصر وبصيرة؟ هل كان الأمر يحتاج لأنْ تتدخّل "إسرائيل" مباشرة وتقصف دمشق بهذه الوحشيَّة لكي يفهم كلّ مَنْ يريد أنْ يفهم؟".
لقد كان واضحاً، منذ البداية، أنَّ هناك صفّين متناقضين يتشكَّلان حول الصراع الدائر في سوريَّة: الإمبرياليَّة الأميركيَّة وحلفاؤها الأطلسيّون (بمن فيهم مخلبهم التركيّ)، والأنظمة العربيَّة التابعة، ومروراً بحربها في يوغسلافيا، وليس انتهاءً بحربها الحاليَّة على سوريَّة؛ والليبراليّون العرب الجدد الذين يشكِّلون آراءهم وتوجّهاتهم حسب حركات بساطير المارينز. هؤلاء جميعاً في جهة، أمَّا في الجهة الأخرى، فقد وقف اليساريّون والقوميّون العرب، وأعداء الإمبرياليَّة في البلدان الغربيَّة وفي مختلف أنحاء العالم، والحكومات الديمقراطيَّة الاجتماعيَّة في أميركا اللاتينيَّة، وكوبا.. الشوكة المزمنة في حلق اليانكي، ودول البريكس الناهضة (روسيا، الصين، البرازيل، الهند، جنوب أفريقيا)، والمقاومة اللبنانيَّة وعلى رأسها المقاوم الشجاع والحكيم السيّد حسن نصر الله، وإيران.
وأمام هذه الصورة شديدة الوضوح، لم يكن ثمَّة عذر لأحد بأنْ يسمح باستلاب عقله وعواطفه بوساطة إمبرياليَّة الإعلام وامتداداتها المحليَّة والإقليميَّة. فهل يمكن لعاقل أنْ يعتقد بأنَّ الولايات المتَّحدة ودول الأطلسيّ (بما فيه المخلب التركيّ أيضاً) يمكن أنْ تتَّخذ مواقف وتنتهج سياسات تخدم المصالح العربيَّة وتتناقض مع مصالح "إسرائيل".. أو حتَّى لا تخدمها؟ وبالتالي، فقد كان واضحاً، منذ البداية، أنَّ "إسرائيل" - على الأقلّ موضوعيّاً - هي ضمن ذلك الصفّ الذي يخوض الحرب التدميريَّة على سوريَّة، ويشيطن حزب الله، ويبثّ الدعاية المذهبيَّة والطائفيَّة في مختلف أنحاء المنطقة. والآن، عندما اتَّضح أنَّ الجيش العربيّ السوريّ بدأ يحقِّق نجاحاتٍ حاسمة في دحر العدوان الهمجيّ متعدِّد الجنسيّات على بلاده، كشَّرت العواصم الاستعماريَّة الغربيَّة عن أنيابها، وراحتْ صيحات الحرب تتعالى فيها، ثمَّ أوكلت المهمّة، كالعادة، لمركزها الأمنيّ المتقدّم في المنطقة ("إسرائيل")، ليضرب الجيش العربيّ السوريّ، ويشغله عن الانتهاء مِنْ تأمين أراضي بلاده، وليرفع معنويّات وكلائهم في الحرب على سوريَّة.
لقد بدأ الإعداد، بوضوح، لتدخّل "إسرائيل" في الصراع الدائر في سوريَّة منذ حوالي شهرين؛ أي منذ بدأت الكفّة ترجح على الأرض للجيش العربيّ السوريّ؛ حيث، فجأة، راحت المجموعات المسلَّحة تهاجم القوّات السوريَّة الموجودة على أرض الجولان وتشتبك معها. ونذكِّر، هنا، مَنْ نسي (ومَنْ يتناسى) بانَّ جرحى تلك المجموعات كانوا يُنقلون إلى المستشفيات "الإسرائيليَّة"، وأنَّ "إسرائيل" قامتْ، مراراً، آنذاك، بقصف المواقع العسكريَّة السوريَّة، متذرِّعةً بالقتال الدائر في الجولان.
على أيَّة حال، لم ينتظر الرئيس الأميركيّ طويلاً ليعرب عن تأييده للعدوان "الإسرائيليّ" على سوريَّة؛ إذ قال "إنَّه مِنْ حقّ "إسرائيل" منع تزويد حزب الله بالسلاح"، متناسياً أنَّه كان قد قال، مراراً، قبل ذلك، إنَّه مِنْ حقّ العديد من الدول التابعة لبلاده في منطقتنا أنْ تسلِّح المجموعات التي تقاتل في سوريَّة وتعيث فيها خراباً. ومع ذلك، فلا تناقض في هذا الموقف إلا على المستوى السطحيّ فقط؛ حيث أنَّ المعيار في الحالتين هو المصالح الأميركيَّة و"الإسرائيليَّة".. ولا شيء آخر.
لم تكن الصورة أوضح ممَّا هي عليه الآن؛ وسواء أكان النظام السوريّ ديكتاتوريّاً أم ديمقراطيّاً، متخاذلاً أم ممانعاً، مخطئاً أم مصيباً.. الخ، فإنَّ الأمر الجوهريّ، هنا، هو أنَّه لم يعد ثمَّة لبس بأنَّ رأس سوريَّة هو المطلوب مِنْ "إسرائيل" وأميركا وأتباعهما، وأنَّ طريق هؤلاء إليه هو الإطاحة بالنظام القائم حاليّاً في سوريَّة.. بأيّ ثمن؛ وبالتالي، فإنَّ مَن يواصلون الاصطفاف ضدّ سوريَّة من العرب، لن يكون بمستطاعهم، بعد الآن، بغضّ النظر عن مزاعمهم وذرائعهم، أنْ يقنعوا أحداً بأنَّهم لا يخدمون أهداف "إسرائيل"، ولا ينتصرون لها على أمّتهم.
العدوان "الإسرائيليّ" على سوريَّة تطوّر طبيعيّ للحرب الدائرة عليها منذ سنتين.. وليس خروجاً عنها.