الموت على مقاعد الجامعات


ما يحدث في جامعاتنا من موت على مقاعد وأبواب، وفي ساحات جامعاتنا الحكومية والخاصة هو نتيجة طبيعية وحتمية لمقدمات قدمتها الحكومات المتتالية على البلد، واستهجان النتيجة يعبر عن استقراء خاطئ لما تم انتهاجه من خطط ومشاريع في السياسة العامة التي أُقرت سواء في العلن أو في الخفية، وإن كان المخفي دوماً أعظم.
الموت في الجامعات هو جزء متكامل مع الفساد الذي يجتاح مناحي البلاد كافة، فلا يمكن أن يكون في المجتمع جزء صحيح وآخر فاسد، بل الفساد دوماً أسرع إلى الانتشار من الصلاح، وأربابه أكثر قدرة وأعظم قوة.
الموت في جامعاتنا تعددت أشكاله وانحصرت أسبابه في اثنين: تشريعي وسياسي.
أما التشريعي فيتمثل في الفساد الجارف في التشريعات التي أُقرت، أو الفساد في عدم الاقتراب من أي تشريع فيه مصلحة للمجتمع، وما ذلك إلا للفساد في الوصول أو التوصيل إلى سدة التشريع، فكان الناتج التشريعي أنانياً فئوياً ضيقاً مدافعاً عن قلة تنهش المجتمع تشعر أنها تلعب في اللحظة الأخيرة، فانكفأت على ذاتها، ودخلت خزينة الشعب وعملت فيه ضربة مقفي، وتركت وظيفتها التشريعية والرقابية، ولهثت خلف ذاتها.
أما السياسية فتمثلت في الإصرار العنيد من القائمين على إعداد خططها وتنفيذها، لتقوم على احتكار الفكرة السياسية التي تؤكد منهج إلهاء الناس بالناس، واجتراح العداوات بين فئات المجتمع بمخترعات غريبة عن قيم المجتمع، وترسيخ مفهوم الولاء الضيق، واعتماد تجارب سياسية على ابناء المجتمعات ومكوناته، وترويجات بعبعية بمسميات لا تمت إلى النسيج الوطني بصلة، مستندة مرة إلى تكوينات المجتمع الأردني (أردني- فلسطيني، شمالي- جنوبي، حضري- بدوي، غني- فقير، متعلم- أمي، ابن المنطقة- غريب عن المنطقة، ابن الوزير- ابن الفقير..)، ومرة أخرى إلى التخويف من أي مصلح مهما كان انتماؤه التنظيمي، ومرة ثالثة الاستناد إلى ظروف البلاد التي حولنا، وتخويفنا من أن نصل إلى ما وصلوا إليهن وغيرها من الأسباب.
الجامعات هي أكثر الأدوات المجتمعي حساسية في قياس مخرجات التخبط والفساد التشريعي والسياسي، وما ذلك إلا لأن مستقبل البلاد يجب أن يكون بيد هذه الفئة الشابة لا بيد الوزراء الذي شارفت أعمارهم على نهايتها، وشارفت أفكارهم السياسية على الأفول لبزوغ الفجر الربيعي الجديد على هذه البلاد، كما في غيرها.
ما يحدث في الجامعات ليؤكد الغياب المقصود للسياسة التشريعية الحكيمة التي تقف في صف الشعب، وفي صف هذه الفئة لتمنحها ما تستحق من حقوق وحريات لتكون مخرجاتها بمستوى التحديات القائمة والقادمة؛ لذلك لم نسمع وما أعتقد أننا سوف نسمع من مجلسنا التشريعي اللاهث وراء التوزير والمناصب أي محاسبة موضوعية لسبب العنف الجامعي، وأقصد الأسباب الحقيقة لا الشكلية، فما يحدث هو نتيجة تنفيذ مخططات مدروسة بدقة عالية، ومنفذة بتغطية من ذوي المسؤولية، فالإنسان الأردني تعرض ويتعرض لخطة منهجية من التدمير النفسي والتربوي والاقتصادي، خطة القائم عليها يملك أدوات التنفيذ وهو يعلم أنه بعيد عن يد المحاسبة.
الموت على مقاعد الجامعات عار يلف المسؤول الذي ينظر إلى ما يحدث، وينأى عن الحل لا لسبب إلا ليدوم له بسط النفوذ، وليبقى ثدي السرقة واللصوصية دائم السيلان.
نحن اليوم بحاجة ماسة إلى أن يلتف العقلاء من المجتمع، من كل أطيافه وتشعباته ومناطقه، ليتم تدارس الوضع الخطير الذي بات فيه أبناؤنا هم الحطب لنار يتدفأ بها المسؤولون، فلا بد من التكاتف وعقد العزم الأكيد على استلام دفة توجيه سفينة الجامعات نحو شط الأمن والثقة والمودة والحب والتآخي الذين فقدناه بالسياسات المتعاقبة للحكومات.
الموت في جامعاتنا يجب أن يتوقف وفورا، وهذا الأمر أصبح اليوم مسؤولية كل بيت وكل ولي أمر وكل شيخ قبيلة وكل مختار وكل إمام مسجد وكل أخ كبير وكل أم وكل حزب وتنظيم، ولنخلي عنا باب الحكومات وسلطاتها الثلاث، فإننا لن نسمع منها إلا تشكيل اللجان تلو اللجان، وماذا حققت اللجان وتوصياتها إلا زيادة الموت على مقاعد الجامعات.