الإعلام والبرامكة والعشائر

راتب عبابنه
نلاحظ من خلال متابعتنا لما يطرح بالإعلام والصحافة من أخبار المشجارات الطلابية التي تحصل بالجامعات، أن هناك محاولة لإيجاد وترويج مفهوم أن العشائرية هي العبئ الأكبر على الدولة والعقبة التي تعيق الوطن من أن يحقق الإنجازات ويخطو للأمام. وهناك الكثير من وسائل الإعلام التي تحاول الزج بالعشائر وتحاول تصويرها أنها المسبب للكثير من الإزعاجات. فعندما يحدث شجار بين طالبين تسارع بعض الجهات لإضفاء الطابع العشائري عليه. وهو طرح يحاول النيل من العشائر بتصويرها مسببا لما يحدث بالجامعات. وبالتالي العشائرية يجب ان تحارب وتراقب وتضبط طلبا للأمن وحفاظا على الجو التعليمي. لماذا لا يكتفى بنقل خبر المشاجرة دون إقحام العشائرية وإخراج المشكلة وتلوينها وإلباسها ثوبا عشائريا لتبدو وكأن هناك حرب تدور رحاها وتسببها العشائرية؟؟ يبدو لنا أن هناك هدف يراد تحقيقه من خلال تسليط الأضواء على هذه الوحدات الإجتماعية التي باركها الله وحثنا على الحفاظ عليها وإدامتها.
وهذا الطرح يقف خلفه ويغذيه من هم لا صالح لهم بالإصلاح ويقفون حجر عثرة أمام التيار الإصلاحي. ويعي أولئك اللاإصلاحيون أن نفاذهم من شر ما ارتكبوه بحق الوطن يأتي من خلال اختراق مفهوم العشائرية والتحرر منها وإضعاف دورها وثقلها الذي هو الشريان المغذي للإستقرار. ومن هنا ننظر للنظام أنه جزء منسجم مع هذه التركيبة بينما البرامكة يتهمونه بتقييد حريتهم وحرمانهم من نيل حقوقهم. العشائر هي التي قام على أساسها ومباركتها تشكيل الدولة الأردنية تحت القيادة الهاشمية. وهي التي لعبت الدور الأكبر بحماية الوطن من الرياح العاتية التي هبت عليه من داخله.
فليس هناك ما يفصل العشائر عن النظام القادم من عشيرة باركها الله وخصها بإرسال أحد أفرادها بشيرا ونذيرا للعالمين، إلا أولئك البرامكة الدخلاء الذين يحاولوا بشتى الوسائل تصوير العشائر وكأنها سبة ومن سمات الماضي ولا تصلح للمرحلة. وهؤلاء حقيقة منتمون لمصالحهم الخاصة وجيوبهم والأردن بالنسبة لهم محطة عبور واستراحة يتزودون منها ثم يغادروها نافخين جيوبهم من أموال الغيارى الذين يطالبون بتعريتهم وفضحهم وإفشال محاولاتهم للإطاحة باستقرار الأردن وتمزيق نسيجه الوطني لإشغاله بنفسه. والروح العشائرية هي إرث وأساس ثابت من طبيعة التركيبة الوطنية الأردنية والوحيدة التي لا يمكن خصخصتها أو بيعها.
ولو كانت قابلة للبيع والسمسرة كانت ستعطى الأولوية ولبيعت قبل الفوسفات والميناء والبوتاس والعبدلي وشركات الإتصالات وغير ذلك مما باعه الذين أقسموا بأن يخدموا الأردن ويحافظوا عليه وعباقرة الإقتصاد والمنقذون لاقتصاد متصدع. والعشائرية تكاد تكون الثابت الوحيد المستعصي رغم المحاولات البهلوانية البطيئة التي يتبناها بعض الإعلام.
ودفاعنا عن العشائر لا يأتي من فراغ وليس ادعاء قابل للتفنيد وإنما تقرير لتاريخ يشهد على الدور العشائري الذي أدرك بفطرته حاجته لتأسيس دولة. وليس دافعنا الإنتماء لكبرى العشائر الممتدة بل لإيماننا المتوارث ويقيننا المكتسب اللذان ثبتت فعاليتهما أن العشيرة هي الركيزة الرئيسية التي حافظت على كيان الوطن وهي المعنية بالدفاع عن كيانها الإجتماعي وعن حماية ما أنجزته وصنعته من مكتسبات وطنية دفعت ثمنها من دم أبنائها وأفشلت مؤامرة كانت ستذهب بالأردن أدراج الرياح. لكن تكاتف الغيارى من أبناء العشائر وتعاضدهم وبذل نفوسهم رخيصة هي السلاح الذي حافظ على هوية الأردن من الضياع مثلما حافظ على حق أبناء فلسطين بفلسطينهم حتى اللحظة. ولو نجحت تلك المؤامرة, لا قدر الله, لتم اللعب بالهويتين الأردنية والفلسطينية, إذ الأمور تؤخذ بخواتيمها.
ومحاولات الزج الخبيث بالعشائر تأتي على خلفية أصحاب النوايا الخبيثة وبدفع من الذين يأتمرون بإمرة مؤسسة فسادهم، لعلمهم أن النظام واستقراره الذي ينبع من استقرار العشائر, لا يمكن زعزعته إلا إذا تمت زعزعة استقرار العشائر والعبث بتوحدها وترابطها. فالتناسب طردي بين الإستقرارين. فهم بظاهرهم يجيدون التظاهر بالعمل لصالح النظام والتفاني من أجله للإحتفاظ بحظوتهم التي من خلالها ينفذون لأهدافهم وبالوقت نفسه يعملون على تهميش صفة العشائرية العقبة العصية ومسح هذه الصبغة عن المجتمع الأردني حتى يسهل عليهم الإنقضاض على مفاصل الدولة ومن ثم المتاجرة بالوطن وأهله ونظامه حتى يتمكنوا من خدمة زارعيهم الذين يتربصون بالأردن لإلحاق الأذى به وإضعافه بإضعافهم للعشائر الركائز.
لقد صارت كلمة " عشائر" تطرح بالإعلام وكأنها مصطلح شيطاني المطلوب من سامعه النفور منه ويتوجب على الآخرين محاربته ومقاومته لتحقيق الإستقرار والأمن والنماء والرخاء. وبعض الجهات الإعلامية قد فاتها التنبه لهذا الزج الذي صار بمثابة تقريع وتشهير وتشنيع لمن يؤمنون بالعشائرية. والبعض الآخر من وسائل الإعلام يتعمد إبراز الصبغة العشائرية وإضفائها على المشاجرات الطلابية لإيصال رسائل مغرضة تفيد أن أبناء العشائر هم من يسببون القلق للدولة والمجتمع والنظام. الرسالة واضحة بالنسبة لنا وها نحن نعيش ونتعامل مع كافة أطياف سكان الأردن بالداخل وسبق لنا وعشنا وتعاملنا مع أناس من كافة الأطياف بالخارج والرسالة التي تصلنا تفيد أن " العشائر " بقاموسهم تعني الشرق أردنيين. أيها الأردنيون..... العبث بالعشائر يعني قتل روح الغيرة على الأردن, وخلق فكر جديد يسيطر على روح الجماعة ويضبطها بحيث يصبح الولاء لسلطة القوة المتمثلة بتيار تنفيذي لا هم له إلا بقائه وسيادته وبالتالي تضعف مقاومته وردعه. فليتنبه الغيارى والإعلام لهذه السموم التي تحقن على يد البهلوانيين والمصفقين لهم.
ويود أولئك البرامكة إيصال الرسالة ذاتها لرأس النظام والتي تفيد أن العشائر سبب الصداع والقلق والتوتر مما يستوجب تحجيمها وتهميشها وتفكيكها لتسهل السيطرة عليها ومن ثم إبعاد وتغييب أبنائها عن مطبخ القرار. بالمقابل, الخيار الوحيد المتبقي للتقريب والمؤهل للثقة قوامه أبناء البرامكة. نقول لهؤلاء المتحذلقين والمتسفسطين الممثلين للإخلاص والإنتماء أن أبناء العشائر والذين يشكلون عماد الأردن هم الذين يهبون لنجدة وطنهم تدفعهم غيرتهم التي تفتقرون لها, وحبهم للأردن الذي تستعدونه, وإرثهم الذي تربوا عليه ويتلخص بإنتمائهم لتراب الأردن الذي أنتم أبرياء منه. وليعلم البرامكة والمتبرمكين وأزلامهم ومن يسندهم أن لهذا الوطن أبناء لن يرتاحوا إلا بكنسهم لينظف الأردن من عفنهم ويطهر من دنسهم ويتعافى من فسادهم. ينادون بالوحدة الوطنية وهم من يعمل على تفكيكها, ويدعون حب الأردن وهم كارهوه, ويتظاهرون بالإخلاص وهم مدرسة تخرج الخونة, عرابهم تحول بليلة ظلماء من ماسح لسيارات الأمريكان إلى وصي على أملاك ومكتسبات ومقدرات دولة وشعب وأتمن عليها وخان الأمانة. إن هؤلاء البرامكة مدينون للعشائر بتسامحها معهم وقبولها لهم ومنحهم الفرصة التي بها وبزمن قياسي قد كنزوا الملايين. حقا من مأمنه يؤتى الحذر, حكمة قلَّ المؤمنون بها.
للأسف هناك بيننا الكثير من المتأمركين والمتأوربين الذين لا تنسجم أجنداتهم مع وجود العشائرية الركائزية الراسخة بالأردن والتي تتناقض قيمها مع النهج البرمكي, لذا تراهم يعملوا جاهدين ويسعوا بشتى وسائلهم الإعلامية والصحفية والمالية للعمل على تفكيك الروابط والقيم والمثل التي تتسم بها العشائرية الأصيلة التي شكلت النواة التي قامت عليها الدولة ورضيت مقتنعة بالهاشميين حكاما، إذ ننظر لهذه النواة على أنها ثابت أساسي من ثوابت الديمومة للكيان الأردني وقيادته. نستذكر المغفور له الحسين الذي كان يعي ويقدر دور العشائر عندما خاطب ليلى شرف قائلا: "أنا ابن هاشم" ردا على محاولاتها بنسف العشائرية من منطلقها القومي. وقد كان ما أراده الحسين رحمه الله. ذلك يدلل على تأصل وتجذر العشائرية بفكره وإيمانه بأهمية الحفاظ عليها إذ تلتقي بتكوينها مع الإرادة والطبيعة التي خلق الله الناس عليها.
البرامكة الدخلاء يعلمون جيدا أن العشيرة وحدة إجتماعية عضوية وتقليد عربي وإسلامي تنسجم وتتماهى مع إرادة باركها الله وأكدها بمحكم كتابه إذ يقول بسوره الحجرات " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)" ولم يقل جعلناكم مبعثرين بلا أصول ولم يقل اعملوا على تفكيك العشائر والقبائل وحاربوا هذه الوحدات الإجتماعية المنسجمة مع نفسها ومع ربها وكتابها ونظامها. بل هناك تأكيد على التراحم والتواد والتكافل وهي أمور تضمنها العشيرة وتمارسها تطبيقا للطبيعة التي خلق وفطر الله الناس عليها. فمحاولة الطمس والتفكيك والتذويب للعشيرة, باسم الحداثة والعصرنة, لهذه الوحدة التي يعمل عليها برامكة متغلغلون متنفذون هي مخالفة شرعية تضرب عرض الحائط بما قرره وأقره خالقنا سبحانه تعالى وهي محاولة تلتقي مع الفكر الصهيوني القائم على خلق الفتن الموصل للسيطرة على صانعي القرار بالعالم.
سؤال يقفز للأذهان : لماذا لا يستخدم مصطلح "العشائر" عند الحديث عن المسيرات السلمية والحراكات المطلبية التي تطالب بمحاسبة الفاسديين؟؟ إذ يعلم الجميع أن المسيرات جلها من العشائر مع بعض الإستثناءات. والجواب نتوصل إليه عند الأخذ بالإعتبار ربط المشاجرات الطلابية بالعشائرية وإضفاء طابع العشائرية كمسبب لها. والربط تأتي أهميته لما لهذه الجامعات من رمزية تعليمية وأكاديمية وتنويرية جعلت من الأردن محجا علميا ميزه عن الكثير من الدول. كما أن هناك ربط بين المتشاجرين القادمين من العشائر وبين النتائج التي يترتب عليها الكثير من السلبيات من تعليق للدراسة والتحقيق وانشغال الأمن والدرك واضطرارهم لدخول الحرم الجامعي عندما تخرج الأمور عن سيطرة أمن الجامعات لفض الإشتباك مما يضع جامعاتنا بوضع لا تحسد عليه من قبل الجهات الرقابية التي ترعى شؤون الجامعات بالعالم وتكون عرضة للإنذار والإغلاق وتشويه السمعة. وبالتالي هي ليست جامعات "جاذبة بل طاردة".
وعلى ذلك يترتب تحميل المسؤولية للعشائر والتضييق عليها لكي تنشغل بنفسها وبأبنائها لدرجة لا تجد متسعا للإنتباه لما يحاك وينسج ضدها وضد الدولة والوطن والنظام وتكون القاعدة الإنجليزية " فرق تسد " قد طبقها وقطف ثمارها من هم بين أحضاننا. المشاجرات, والتي نشجبها بشدة وندعو شبابنا أن يترفعوا عن الأخذ بأسبابها, كثير منها مفتعل ومغذى من أصحاب الميول الفاسدة لتشويه سمعتنا التعليمية ولتحقيق الإحجام من قبل الطلاب العرب والأجانب. وللحقيقة, المشاجرات الطلابية صارت ظاهرة تدعو للقلق مما يستدعي دراستها وتحليلها للقضاء على أسبابها لتبقى جامعاتنا منارات يستهدي بها طلاب العلم والمعرفة والتنوير.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com