الجامعة العربية وحلف الناتو!!

اخبار البلد

أثبتت الجامعة العربية في السنوات الأخيرة عجزها بالكامل عن أن تتخذ أي قرار مستقل، وخاصة إذا كان ذلك يتعارض مع إستراتيجية وسياسة «حلف الناتو» ولقد ضمها حلف الأطلسي إليه بشكل جزئي من خلال ضم عدد من الدول العربية بصفة منتسبين، وكان من الطبيعي أن يبدأ ببلدان الخليج النفطية الثرية، بل بالأكثر ثراءً منها، ثم عرج على أكثرها أهمية جغرافية وسياسية وتاريخية، منذ أن أصبحت تمشي في ذيل البلدان الخليجية النفطية بزعامة السعودية، ثم في ظل التنافس على الزعامة العربية والنفطية والإسلامية، وما قد يستجد بعد هذا كله، وتدل المؤشرات على أرض الواقع، على تقدم قطر على السعودية في هذه المنافسة، وتراجع السعودية إلى الوراء لاعتبارات داخلية، وربما لاعتبارات أميركية.
وعندما يُقال إن حلف الناتو قد ضم الجامعة العربية إلى صفوفه، فهذا القول يخلو من الخطأ، بدليل أن الناتو اختبرها، واختبر انتماءها إليه عملياً، عندما دعاها إلى التدخل العسكري في ليبيا فلبت الطالب بلا تردد، وتدخلت مع قوات وقيادات حلف الأطلسي، ونجح الجميع في تحقيق الهدف الذي حددته الولايات المتحدة القائد الأعلى والفعلي للحلف قبل وبعد توسيعه، وهو ما سمته «نصرة الثورة الليبية وهزيمة نظامها الطغياني»، وهكذا أصبح من الواضح أن حلف الأطلسي هو قائد «حركات التحرر» في شرق الوطن العربي وغربه.
وازداد هذا الأمر وضوحاً، عندما عمد حلف الأطلسي – استناداً إلى أموال المنتسبين الجدد من الدول العربية الخليجية- إلى تسليح المجموعات الإرهابية والمتطرفة المستقدمة من أواسط آسيا ومن مصر وليبيا ومن دول أوروبية وإفريقية لتنفيذ مهمة الأطلسي الجديدة، وهي تدمير سورية وإسقاط قيادتها ونظام حكمها الحالي، لأن التخلص من سورية عبر تقسيمها هو المشروع الإستراتيجي السياسي والعسكري الأهم في نظر الحلف لاستباب أمور «العالم العربي» تحت القيادة الأميركية الأطلسية دون أي اعتراض أو مشاغبة.
إضافة إلى التمويل، تقدمت الجامعة العربية خطوة أوسع تؤكد هيمنة (الناتو) عليها بعد أن ضمها الحلف إليه، عندما اتخذت قراراً بمنح مقعد سورية في الجامعة للمجموعات التي يسلحها ويدربها الحلف في الأراضي التركية والأردنية.
إن الذين اعترضوا على هذا القرار الجائر والمسيّس حول مقعد سورية في الجامعة يستندون في اعتراضهم إلى حقيقة أن القانون الدولي لا يسمح لأي دولة في العالم بأن تنحاز لطرف على الآخر في نزاع داخلي، ومن هذه الدول المعترضة مثلاً: روسيا والصين وإيران وبعض دول أميركا اللاتينية. لا شك أن اعتراضها هذا منطقي ومهم، وبإمكان روسيا والصين استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع أي قرار يستهدف سورية، ولكن لا علاقة لمجلس الأمن في حالة الجامعة العربية العاملة بإرادة حل الأطلسي التي تتدخل في الأزمة السورية وفقاً لما رسمته إرادة هذا الحلف، ذلك أن المهم لدى الجامعة أن ترضي (الناتو).
والأهم من ذلك أن قادة الدول العربية المنتسبة إلى الناتو لم تتنبَّه إلى حقيقة أن الحلف لن يتردّد في أن يكرِّر في أي بلد خليجي نفطي السلوك الذي اتبعه في ليبيا والذي يتبعه في سورية الآن، فالقادة العسكريون للحلف جاهزون لتنفيذ الأوامر.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن لعاقل أن يتصور أن يؤدي قرار منح مقعد سورية لمقاتلي الأطلسي الأجانب الذين يعملون على تدمير سورية وتمزيقها، ولا هدف آخر لهم سوى ذلك، إلى تقريب الحل السلمي لأزمة سورية؟
إن من يرد الحل السلمي والسياسي للأزمة لا يعمد إلى الدفع بأسلحته وأمواله إلى الأراضي السورية، وإلى جيوب الأزلام الذين أجلستهم الجامعة العربية في مقعد سورية كما فعلت قطر والسعودية بأوامر أميركية وأطلسية. ولهذا، فإنَّ ما ادعاه الأمين العام المساعد للجامعة (أحمد بن حلي) «بأن الجامعة العربية ما زال الحل السياسي عندها هو الحل الوحيد والسليم لمعالجة الأزمة السورية» هو كلام فارغ، يأتي للتغطية على قرار الجامعة الذي هو «قرار أطلسي بامتياز».
نعم، لم تعد الجامعة العربية ما كانت عليه قبل هيمنة الأعضاء الخليجيين والمنتسبين إلى حلف الأطلسي عليها، ويجب على الجماهير العربية أن تعي حقيقة وخطورة انتماء الجامعة العربية بدولها النفطية الأكثر ثراءً، واستجابةً لأوامر الغرب وبخاصة أميركا ودول حلف الأطلسي، لهذا الحلف.
صحيح أن هذا الانتماء لا يمنح لأصحابه من دول الخليج أي امتيازات في التصويت واتخاذ القرارات داخل الحلف، بل يقتصر دورهم على تنفيذ ما ترسمه لها قيادة الحلف السياسية والعسكرية وبالتحديد القيادة الفعلية «الولايات المتحدة»، التي وسَّعت وما تزال توسع مهام الحلف في المنطقة العربية وغيرها، هذه المنطقة التي يطلق عليها الأميركيون منذ سنوات تزيد على العشر في كتاباتهم الرسمية، اسم «الشرق الأدنى والشمال العربي الإفريقي»!
إن من واجب أي عربي مخلص وشريف أن يعي أن الجامعة العربية اختُرقت من الأجنبي بشكلٍ مثيرٍ في السنوات القليلة الماضية، علماً بأنها مخترقة منذ قيامها، ولكن- كما أشرنا- بلغ هذا الاختراق مدى غير مسبوق في الفترة الأخيرة مع انفراد حلف الأطلسي، تحت التوجيه الأميركي، بالتوسع على حساب الدول التي اختارها الحلف في أوروبا نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي، وعلى حساب الدول التي اختارها الحلف في منطقة الخليج النفطية العربية وفي الشمال العربي الإفريقي، وتلازم هذا التوسع مع توغل واتساع النفوذ الأميركي في المنطقة العربية كنتيجة لأحداث ما سمي «الربيع العربي» الذي وفر للغرب كل الفرص المواتية للهيمنة على دول النفط الخليجية وعلى مصر وليبيا وتونس والمغرب العربي كله.