جامعات
في المدن الحرفية، مثل المدينة الصناعية في وادي السير، تكتشف أن هناك حالات من الود والتفاهم بين اصحاب الحرف فمن الممكن أن تجد بنشرجي يقيم صداقة مع فني خراطة مفاتيح...ومن الممكن مثلا أن يتكامل عمل معلم التبريد مع معلم الأكسجين...
أنا دائما أصلح سيارتي هناك وأجد أن هذا المجتمع يحوي ودا وتفاهما، واغلبية المشاجرات التي تحدث...يتخللها صراخ فقط، وعبارات تخدش الحياء العام نوعا ما،وإذا تطور الامر من الممكن أن يتم استعمال (ايد الجك)...وأغلبية المشاكل من الممكن ان تتكفل بها دورية شرطة واحدة...
مجتمع متفاهم متكامل، وثمة اسماء غريبة للعاملين هناك فأنا مثلا اصلح سيارتي لدى صبي يلقبونه (الجعمكة)، وصاحب المحل إسمه ( حسونة الفيوز)،وذات يوم تعطلت (طرمبة الماء) في سيارتي ونصحني أحدهم قائلا:- ( ما إلك إلا...القشاط) من هو (القشاط )؟ أنا لا أعرف ولكن تبين لي أنه معلم (طرمبات) مهم...
حين تصلح سيارتك هناك يحضرون لك الشاي، وأحيانا تتناول معهم إفطارا مكونا من الحمص والفلافل والفول، وفي بعض المرات تبادلهم المزاح...وأحيانا وحين تصبح زبونا دائما عند (جعمكة)..وإذا تعطلت سيارتك في أي مكان فمجرد إتصال هاتفي مع (أبو الجعاميك) يأتيك فورا مع (الونش) ثم يصلحها ويحضرها إلى مكان عملك...
بصراحة جميعهم اصدقائي (القشاط) صديقي وإذا مررت على المدينة الصناعية دون أن اسلم عليه...ربما ( سيغضب) و(جعمكة) صديقي أيضا..وأحيانا قد أمر عليه في المساء فقط لشرب الشاي،..حتى (حسونة الفيوز) دعاني قبل عام لجاهة شقيقه، وشقيقه يعمل في نفس الكار فني كهرباء سيارات...
إذا كبر إبني وخيرت بين جامعاتنا والمدينة الصناعية في وادي السير فسأرسله إلى المدينة الصناعية هناك كي يتعلم حرفة، على الأقل هناك ستضمن أنهم لن يطلقوا عليه النار،ستضمن أن ( القشاط) لن يحضر إلى محله (كلشن كوف)...ستضمن أن ( حسونة الفيوز) لايستعمل طلقات من نوع (حارق خارق متفجر) حين تحدث أي مصادمة مع زبون...ستضمن أيضا أن (جعمكة) لا يقوم بطعن الناس مستعملا (شباري) أنا لايهمني العلم يهمني أن يتعلم إبني السماحة والتعامل مع الاخرين بإحترام، وأن يتعلم أيضا إحترام حياة الناس وأحاسيسهم...
أريد أن اسأل الحكومة السؤال التالي :- ايهما أكثر أمانا لمستقبل أبنائنا جامعاتنا الأردنية أم المدينة الصناعية في وادي السير...صدقوني أن (جعمكة)...متصالح مع ذاته أكثر من جامعاتنا التي تعاني أزمات لا تنتهي.