السكوت عن هذه الفضيحة كارثة

في تقرير نوعي نشره الصحافي المجتهد الزميل الصديق محمود الطراونة في صحيفة "الغد" امس الثلاثاء، كشف فيه أوضاع النواب مع القضاء والتنفيذ القضائي حيث "يواجه أكثر من 80 نائبا في البرلمان تهما وقضايا مختلفة، لا تزال قيد النظر أمام محاكم مختلفة، في حين تم الفصل بقضايا أخرى، إضافة إلى طلبات جلب، وقضايا قيد التنفيذ في المحاكم الأردنية، وذلك حسب وثائق رسمية" حصل عليها.
وكشفت الوثائق عن اتهام نحو 30 نائبا في البرلمان في قضايا وجرائم مالية ووظيفية، من بينها مواجهة تهم القتل، وإصدار شيكات دون رصيد، والتزوير والسرقة والاحتيال، والكسب بلا سبب، والإخلال بالواجبات الوظيفية والرشوة والاختلاس، وإساءة الائتمان، والقبض غير المستحق، إضافة إلى الكمبيالات والسندات والمطالبات المالية والقروض".
الأخطر في التقرير المميز الذي جاء في وقته تماما، كشفت الوثائق "أن عددا كبيرا من النواب، في المجلس السابع عشر الحالي، متورطون، او يواجهون تهم إصدار شيكات دون رصيد، ومطالبات مالية، وقروض، بمطالبات تجاوزت قيمها عشرة ملايين دينار، حيث بلغت القضايا على نائب واحد، 233 قضية، 79 قضية، بين منظورة ومجددة وقيد التنفيذ أمام المحاكم."
لن أضيف كثيرا على تقرير الزميل الطراونة، فهو كاف وواف، ومن العار ألا يقف مجلس النواب عند هذه الفضيحة، وان يناقشها بوضوح تحت القبة، فإذا كان نواب الامة والمشرعون للقوانين يخالفون القانون بهذا الشكل، فكيف نطمئن ان مستقبلنا يسير بالاتجاه الصحيح، وفي ايد أمينة؟
كما لا بد من طرح سؤال حاول التقرير الاجابة عليه، كيف تمكن هؤلاء النواب من الحصول على عدم محكومية قبل اشهر كشرط للترشح للانتخابات ، وكيف استطاع صاحب 233 قضية أن يجري تسويات حتى يحصل على تلك الوثيقة؟
نائب واحد عليه قضايا شيكات بعشرات الملايين، ويركب الآن سيارة بنمرة حمرا، ويحمل جواز سفر دبلوماسيا، ويقف تحت قبة البرلمان يخطب ويطالب باستقلال القضاء!.
وأخر يواجه تهما بـ30 قضية من بينها قضايا سرقة وشيكات دون رصيد، والتهديد بافتضاح امر لجلب منفعة غير مشروعة، منها 7 قضايا قيد التنفيذ القضائي!.
بعد كل هذه الفضائح، هل هناك أحد ما زال يعتقد ان قضية "العرب اليوم" ومالكها إلياس جريسات، قضية قضائية بحت، وليس فيها توظيف سياسي، ومؤامرة على صوت "العرب اليوم" الحر والمستقل؟.
هل من المعقول ان شيك جريسات يختلف عن مئات الشيكات عند السادة النواب؟
وهل شيك يتجاوز عمره الـ 8 سنوات، ومسحوب من شركة، لعراقي، قام بعد سنوات بتجييره الى نائب، لا يثير الريبة والتساؤل؟
وهل أخذت القضية كل هذه الأبعاد، وحملات التشهير، وتدخلات المسؤولين على كافة الصعد وبأعلى المستويات، لا يمكن تسويتها بطريقة ما تحفظ حقوق الجميع؟.
وهل جريسات وحده، لا يجوز له طلب اعادة المحاكمة، مع انه طلب قانوني واضح بعد ظهور بينات جديدة، وصلاحيات البت فيه بيد وزير العدل.
قضية جريسات و"العرب اليوم" لا يجوز النظر إليها ببعد قانوني فقط، فتجاوز القانون يجري يوميا، وعلى جميع المستويات، بل لا بد من النظر اليها قانونيا وحقوقيا وحريات عامة وحريات اعلامية وانسانيا ايضا.
الفضيحة التي كشفها تقرير الزميل المبدع محمود الطراونة، فتحت بابا واسعا لفساد مسكوت عنه، وإذا استمرينا في السكوت اكثر فإنها الكارثة.