أحداث تونس ليس بالضرورة أن تتكرر في دول أخرى بل مزيد من الحريات ودعم السلع أصبح وشيكا
المشهد الذي تناولته وسائل الإعلام للاحتجاجات التي خلعت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد أكثر من 23 عاما من الحكم كان محط أنظار الحكماء قبل الشعوب، لكن ليس بالضرورة أن تتكرر تلك المشاهد في دول أخرى، مثلما وصفت صحيفتا الجارديان البريطانية والواشنطن بوست الأردن ومصر بأنها ترقد على "جمر مستعر" بعد تونس. في المقابل، لا يمكن تجاهل أن الحكام العرب والحكومات ستقدم مزيدا من التنازلات (حريات، حوار مع المعارضة)، وستستمر في دعم السلع الغذائية حتى لو أغضب ذلك مؤسسات دولية مثل البنك والصندوق الدوليين، وهو ما يحدث في الأردن فعليا بحسب نائب رئيس وزراء سابق. يكشف المسؤول الذي كان يحمل ملفات اقتصادية في حكومة علي أبو الراغب أن بعثة صندوق النقد الدولي خلال زيارتها البلاد الشهر الحالي لم تلق ارتياحا لردة فعل الحكومة تجاه الاحتجاجات بالاستمرار في دعم السلع وأسطوانة الغاز. الأردن أعلن تخرجه من برنامج التصحيح الاقتصادي في 2003 والذي امتد 15 عاما مع صندوق النقد، واقتصر الأمر على نصائح يقدمها الصندوق وتوصيات، لكن خبراء في الاقتصاد يرون أن بصمات الصندوق مكشوفة في سعي الحكومة للتخلي عن الدعم، وكان آخره إعادة الضريبة على مادة القهوة وفرض أخرى، خاصة على الوقود والاتصالات والتبغ والمشروبات الكحولية. الكويت سبقت الجميع بإجراءات عملية وفورية، فأمر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الاثنين بصرف منحة مالية للمواطنين بقيمة إجمالية تبلغ أربعة مليارات دولار، وتقديم الغذاء مجانا لمدة 14 شهرا لحاملي البطاقة التموينية، وذلك بمناسبة حلول أعياد وطنية. محليا، رئيس الوزراء سمير الرفاعي أقر الثلاثاء 11-1-2011، وبتوجيهات مباشرة من الملك عبدالله الثاني حزمة إجراءات تمثلت بخفض ضريبي على مواد الكاز والسولار والبنزين، والبدء في إجراءات تعيين 20 في المئة من الوظائف المدرجة على جدول تشكيلات الوظائف، وتخصيص مبلغ 20 مليون دينار للمؤسستين الاستهلاكيتين المدنية والعسكرية لدعم السلع الأساسية. لكن ذلك لم يمنع مسيرات احتجاجية كانت مقررة الجمعة 14-1-2011، في عدد من المحافظات رفعت شعار إسقاط الحكومة والمطالبة بإصلاحات، خلت من أي صدامات وأحداث عنف. واعتبر مراقبون أن تلك الإجراءات لن تكون كافية، وإن كان لا بد من قبولها، فمن الضرورة أن تكون مستمرة وليس حتى نهاية عام 2011. الاحتجاجات استمرت، إذ نفذ نحو ألفي نقابي وحزبي ومواطن اعتصاما الأحد 17-1-2011 أمام مجلس النواب، احتجاجا على غلاء الأسعار، بالتزامن مع حزمة تنازلات جديدة قدمتها الحكومة، وتمثلت في إعداد دراسة لأسعار عشر سلع أساسية وبشكل شهري دوري للعام 2011 من خلال تتبع حلقات البيع (مستوردين: تجار جملة، تجار تجزئة)، واحتساب الكلف وهامش الربح، وإجراء مقارنة مع الأسعار في دول الجوار والأسعار العالمية وإمكانية التدخل في حال وجود خلل واضح. **تنازلات جديدة بيد أن مسؤولا في وزارة المالية يكشف أن الحكومة تدرس حاليا تقديم دعم نقدي لأصحاب الدخول المتدنية على غرار برنامج دعم "المشتقات النفطية" الذي نفذته قبيل تحرير قطاع الطاقة قبل ثلاثة أعوام، يرى المسؤول أن الدعم يحتاج لمخصصات في الموازنة في نفس الوقت لن يكون من خارجها، بل بإحداث تنقلات بين البنود لتجنب ارتفاع العجز. لا يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين ضيرا في الاحتجاجات، ويعتبرها أمرا صحيا، إذ يعتبرها أقل مغامرة وتتعامل مع جزء من النظام، خصوصا إذا رفعت شعار الإصلاح. يقول إن "مظاهر الاحتجاج تطورت وتغيرات إقليمية مهمة، فنراها الآن أكثر تقدما بحيث تطالب بتغييرات جزئية، وتركز على برامج بذاتها بعكس تلك إبان التسعينيات عندما كانت المطالبات ترفع شعارات الإقصاء والتنحية". ينصح محادين بالتعامل مع الوضع بمزيد من الوعي والحرية والنقاش. **هبة نيسان 1989 هنالك إجماع عام على عنوان رئيس للمحتجين كافة كانوا أحزاب معارضة أو نقابات وحركات شبابية، وهو استكمال "الإصلاح" الذي بدأ منذ هبة نيسان 1989 عندما تحقق بعض التقدم في مجال الحريات العامة وحقوق الإنسان، وإلغاء الإحكام العرفية، وإصدار قانون لترخيص الأحزاب السياسية، في المقابل تشوه هذا العنوان تفرعات صغيرة ومهمة أبرزها خلاف على شكل الأردن الحديث، وبأي قوانين يمكن أن يؤسس لحياة ديمقراطية تمتد عبر استراتيجية بعيدة المدى بعيدا عن الحلول الوقتية. المسؤول السابق يذكر أن حرب الخليج الثانية 1990 مهدت الطريق لإحداث تحولات جذرية في البلاد مع عودة مئات الآلاف من الخارج، وكأن الأرض بدأت تضيق بمن فيها رغم أن الإفرازات كانت إيجابية، تأسيس شركات ونقلات نوعية في النشاط الاقتصادي، عمران وتشييد، وفجأة ترغب قوى داخلية بالسيطرة على ما يحدث وجني ثمار حروب لم يكن لأهل البلد دخل فيها، ما دفع لتعليق الإصلاحات السياسية منذ 1993 لحين حل القضية الفلسطينية. **قواسم مشتركة ربط ما حدث في تونس وفرار رئيس حكومتها زين العابدين بن على بقوة الشارع، ليس إلا تذكيرا بوجود قواسم مشتركة بين معظم الأنظمة العربية، بدءا من الإقصاء مرورا بافتقار الديمقراطية، وليس أخيرا بأزمات اقتصادية متلاحقة بلغت حدود الخبز والعمل. وكتب طاهر العدوان رئيس تحرير صحيفة العرب اليوم يقول: "تتزاحم الأسئلة في العقول التي يثيرها البركان التونسي، وفي المشاعر الجامعة للشعوب العربية. يتصدر أهم الأسئلة وهو: بعد تونس على من الدور؟". بيد أن العدوان يجزم أن "المثال التونسي ينطبق على الأنظمة التي حولت شعوبها إلى حالة صمت مروع. لا صحافة حرة ولا رأي آخر ولا معارضة من أي نوع ولا أي شكل من أشكال الاحتجاج الاجتماعي، في ظل مثل هذه الأنظمة ترقد البراكين التي لا يعرف متى تنفجر، أما في الأردن ومصر فالوضع مختلف!". **أحداث أيلول وللإنصاف، حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة والعالم ككل لعب دورا أساسيا في تمتين معطيات النيل من الحريات والتعدي على الحقوق، فبعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب بعد أحداث أيلول 2001 وترجمته كقوانين صارمة معتمدة في معظم الدول العربية وتبعاته من قوانين اقتصادية وأخرى تتعلق بغسل الأموال، خلق جوا مربكا بين الشعوب وقوانين أمنية طالت الحريات وحجبت المعلومات. أخيرا التنازلات التي ستقدم كانت سياسية أم اقتصادية، هل ستكون إجراءات تكتيكية لامتصاص حالة الغضب الشعبي؟ أم أنها ستشكل أرضية صلبة لبناء جسور ثقة لطالما كانت مفقودة بين الشعوب وحكامها. malawneh0793@yahoo.com