"الإخوان المسلمين" جماعة بلا حلفاء ............ تغلب مصالحها وتتخلى عن عهودها تطيح بكل من يساندها وتحالفاتها مرحلية .......
اخبار البلد : ماذا رأيتم من الإخوان لتكرهوهم؟.. لماذا تعادون الجماعة والرئيس المنتخب؟.. هذا هو رد الإخوان على كل من يختلف معهم. يخلطون المعارضة بالعداء، ويصنفون الناس مع الجماعة أو ضدها، ويتجاهلون أن الجماعة أخلفت وعودها، وتخلت عن أقرب الحلفاء من أجل السلطة، وتحولت من جماعة ضمن تيارات وطنية إلى جماعة ضد الجميع. تخلت عن الحلفاء والمقربين، وأسقطت حلفاءها، فرادى وجماعات. خطوة وراء أخرى تخلت عن الحلفاء، بل ناصبتهم العداء، وخلال أقل من 10 أشهر كانت الجماعة تطيح بحلفائها ومؤيديها. لم تميز بين خصم وصديق، ولا بين عدو وحليف، وخسرت مؤيديها والمتعاطفين معها منذ بدأت تشم رائحة السلطة، بعد أقل من شهر على مغادرة ميدان التحرير، ورحيل مبارك.
خلال المسافة من الميدان إلى الانتخابات تخلت عن وعودها، وتعاملت مع أى إشارة بشكل مصلحى، ودون النظر لباقى زملاء الميدان. لم يبدأ الخلاف مع الإخوان فجأة، لكنه تكون خطوة وراء أخرى، كما أن موقفها كان يتحدد حسب المصلحة. بدأت بزملاء الميدان والبرادعى وحمدين، ووصلت إلى أن تعتبر كل من يعارضها فلولا ومتآمرا يريد إعادة النظام السابق، حتى لو كان من سجناء مبارك ومعارضيه غير المشكوك فيهم.
الاستفتاء والبرلمان.. كل زملاء الميدان خصوم
بدأت الجماعة تحركاتها من أجل جنى ثمار ثورة لم تكن هى التى خططت لها، أو جهزتها، بل ناورت قبل المشاركة بها، وأعلنت عدم المشاركة رغبة فى الإبقاء على خيط مع نظام مبارك، ونزلت بعد تأكدها من حتمية رحيله. لكن نزول الجماعة المتأخر لم يمنعها من السعى لجنى أكبر قدر من الثمار، حرصت على حضور اللقاءات مع نائب الرئيس السابق عمر سليمان قبل تنحى مبارك، وكان حضورها فى البداية بتنسيق مع القوى السياسية الأخرى، ومنها مجلس الحكماء الذى ضم عددا من السياسيين والنشطاء، وبدأ انفصالها عن مطالب المجموع. مع بدء المرحلة الانتقالية أعلن المجلس العسكرى تعطيل العمل بدستور 71، وإصدار إعلان دستورى بتعديلات دستورية والاستفتاء عليها، وأصرت القوى السياسية على أن تتم كتابة الدستور أولا حتى لا تجرى انتخابات برلمانية ورئاسية تفتح الباب لصراع سياسى، أو انفراد تيار بكتابة الدستور. وأعطى المجلس العسكرى لقمة للجماعة من خلال وضع صبحى صالح ضمن لجنة الإعلان الدستورى مارس 2012، وكان السياسى الوحيد ضمن لجنة قانونية ودستورية محضة. كانت الجماعة هى أكثر تيار سياسى يؤيد التعديلات، واستخدمت الدعاية المضادة لمن يرفضون التعديلات ويطالبون بدستور يضمن الحقوق والواجبات قبل الانتخابات، وسعت الجماعة لحشد حلفائها من السلفيين لتصوير قبول ورفض الإعلان بأنه قبول أو رفض للإسلام.
ثم دفعت نحو انتخابات برلمانية سريعة بالرغم من بوادر الصدام، وتخلت عن الثوار والنشطاء الذين تحالفوا مع بعضهم لأجل الانتخابات، بل تجاهلت أحداث محمد محمود، ورفضت التعاطف وأصرت على أن تنعقد الانتخابات.
ما إن فازت بما ظنته أغلبية حتى أعلنت أن الثورة انتهت، ورفعت شعار شرعية البرلمان تنهى شرعية الميدان.
الجمعية التأسيسية.. الجماعة ترفع شعار أنا الأغلبية
الخلاف الأكبر الذى كشف عن نية الجماعة الانفراد بدأ مع تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وبدأ طمع الجماعة بعد حصولها على الأغلبية فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، ومع تكوين الجمعية التأسيسية للدستور فى مارس 2012، استغلت الجماعة نصا غامضا وملتبسا فى التعديلات الدستورية التى تمت فى مارس 2011، حيث أعطت المادة 60 من الإعلان الدستورى الحق لمجلسى الشعب والشورى فى اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية المائة. المادة جاءت مبهمة الصياغة دون معايير واشتراطات، وكان الاتفاق على أن الدستور وثيقة مهمة تتطلب أعلى مستويات التوافق بين القوى السياسية والجماعات والمكونات الاجتماعية ومؤسسات الدولة، وتمثيلهم جميعا فقد تفسير النص الغامض لصالح تشكيل الجمعية من نواب تم انتخابهم على خلفية تنافس سياسى اتسم بالشراسة والعداء والاستقطابات الدينية والسياسية.
وظهرت رغبة الإخوان والإسلاميين فى السيطرة على الأغلبية داخل الجمعية باستغلال غموض المادة. وفى 3 مارس 2012 بدأت أولى جلسات الجمعية، وفى 17 مارس 2012 تم التصويت على تشكيل الجمعية من داخل وخارج البرلمان، لتصبح نسبة نواب البرلمان 50%، و%50 من خارجها، وفى 24 مارس 2012 عقد الاجتماع الثالث، وأقرت الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى أسماء الـ100 عضو، وانقسمت نسبة %50 من داخل نواب البرلمان إلى 36 مقعدا لحزبى الحرية والعدالة والنور السلفى، و14 مقعدا للأحزاب الأخرى والمستقلين، كالوفد، والمصرى الديمقراطى، والإصلاح والتنمية، والمصريين الأحرار، والوسط، والكرامة، والإصلاح والتنمية، والبناء والتنمية. وانقسمت نسبة %50 من خارج البرلمان إلى 12 مقعدا للإسلاميين، و38 مقعدا للآخرين. وبهذا ضمن الإخوان والإسلاميون الأغلبية بعد ضمان حزب الوسط الذى بدا «رديفا» للجماعة فى أغلب تحركاتها، ومعه حزب البناء والتنمية للجماعة الإسلامية.
وانسحب ممثلو الأزهر والكنائس والمحكمة الدستورية وأحزاب مدنية اعتراضا على تشكيل خلا من نسبة معقولة للشباب والمسيحيين والنساء، وأبناء الأقليات الأخرى الصغيرة والمناطق النائية.
وتوالت الدعاوى أمام المحكمة الإدارية لينتهى الأمر بحكم المحكمة الإدارية العليا، فى 10 إبريل 2012، ببطلان تشكيل الجمعية، لتبدأ عملية تشكيل الجمعية التأسيسية، لكن جماعة الإخوان تمسكت باتجاهها للإبقاء على الأغلبية فى يدها، وأقر مجلسا الشعب والشورى فى 13 يونيو 2012 التشكيل الثانى للجمعية التأسيسية، وانسحب ممثلو أحزاب مدنية بسبب هيمنة المنتمين للتيار الإسلامى عليها، وبعد ذلك أقرت المحكمة الدستورية العليا فى 14 يونيو 2012 حل مجلس الشعب لعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات، وفى 17 يونيو أصدر المجلس العسكرى إعلانا دستوريا جاء فيه «إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها يشكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه خلال 15 يوما من تاريخ الانتهاء من إعداده».
ودافعت الجماعة عن طريقتها فى اختيار الجمعية التأسيسية، ولم تلق بالا لاعتراضات حلفاء سابقين، لأنها وجدت أنها أخذت منهم الغرض، وتخلت عن القوى المدنية. لكنها تمسكت بالحلف مع السلفيين والإسلاميين لاستمرار حاجتها لهم، وبالرغم من ذلك فقد وجدت الجماعة ومرشحها للرئاسة تأييدا ودعما من قوى سياسية مختلفة، عندما انتهت الجولة الأولى للإعادة بين مرشح الإخوان، ومرشح النظام السابق الفريق أحمد شفيق.
الجبهة الوطنية.. وثيقة تعهدات طارت بعد الرئاسة
و تشكلت الجبهة الوطنية لاستكمال الثورة قبل التصويت فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، وضمت شخصيات عامة وسياسيين ونشطاء وعددا من شباب الثورة، ومن أبرز أعضاء الجبهة د.عبدالجليل مصطفى، د. هبة رؤوف عزت، د. علاء الأسوانى، د. سيف عبدالفتاح، د. محمد السعيد إدريس، سكينة فؤاد، وائل غنيم، وائل خليل، إسلام لطفى، محمد القصاص، أحمد إمام، والإعلاميان وائل قنديل، وحمدى قنديل الذى أعلن انسحابه منفردا من دعم الرئيس مرسى بعد فترة قصيرة.
وأعلنت الجبهة تأييدها لمرشح الجماعة، ووقعت وثيقة للشراكة فى 27 يونيو مع المرشح الرئاسى الرئيس مرسى وقيادات الجماعة، وطالبت الجبهة مرسى بتعهدات فى حالة فوزه هى: التأكيد على الشراكة الوطنية التى تعبر عن أهداف الثورة وكل أطياف ومكونات المجتمع المصرى، وأن يضم الفريق الرئاسى حكومة إنقاذ وطنى تضم كل التيارات ويكون رئيسها شخصية مستقلة، وتكوين فريق إدارة أزمة يشمل رموزا وطنية للتعامل مع الوضع، وضمان استكمال إجراءات تسليم السلطة للرئيس المنتخب، والسعى لتحقيق التوازن فى تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين، والشفافية والوضوح. وحول الجبهة كان هناك نشطاء وثوريون ممن أطلقوا على أنفسهم «عاصرى الليمون».
الجبهة كانت تراهن على أن أى رئيس منتخب بعد ثورة لا يمكنه أن يكرر خطوات النظام السابق لمبارك باستبداده واحتكاره، لكن بعد تولى الرئيس مرسى اكتشفت الجبهة أنه تم الضحك عليها وأن الجماعة خدعتهم. تخلى الرئيس مرسى وجماعته عن وعودهم فى تغيير الجمعية التأسيسية أو رئيس وزراء مستقل، وتنصل الرئيس وقيادات الجماعة من وعودهم للجبهة، فقد تم اختيار هشام قنديل لرئاسة الحكومة، على غير رغبة القوى الوطنية. وحاولت الرئاسة تخفيف وقع الصدمة، بالإعلان عن تشكيل فريق رئاسى واختيار المستشار محمود مكى نائبا للرئيس، ووضع عدد من الشخصيات العامة ضمن الهيئة الاستشارية مثل الإعلاميين سكينة فؤاد وأيمن الصياد وعمر الليثى، والدكتور سمير مرقص ومحمد سيف الدولة، والدكتور سيف عبدالفتاح، بجانب الدكتور خالد علم الدين وعماد عبدالغفور من السلفيين، وعصام العريان من الإخوان والدكتورة باكينام الشرقاوى. وبالطبع كانت السيادة لقيادات الإخوان فى الرئاسة، حيث شغل الدكاترة عصام الحداد وياسر على، وأحمد عبدالعاطى المواقع الرئيسية من إدارة مكتب الرئيس أو المتحدث الرسمى.
ومع الوقت بدأت الجماعة تبدى وجها آخر تجاه حلفائها ومنها الجبهة التى تشكلت لهدف واحد هو مساندة مرسى فى مواجهة شفيق أو مرشح الثورة فى مواجهة مرشح الفلول. لكن مرشح الثورة انقلب على عقبيه. واضطرت الجبهة لحل نفسها من الشراكة مع مؤسسة الرئاسة، بعد اكتشافها انقلاب الرئاسة وجماعة الإخوان.
البرادعى.. حليف الجمعية الوطنية وشيطان جبهة الإنقاذ
على مستوى الحلفاء السابقين فقد كان الدكتور محمد البرادعى من أكثر الشخصيات التى تحلق حولها الإخوان ورئيسهم الدكتور مرسى ودافعوا عن البرادعى عندما عاد لمصر 2009 وأسس الجمعية الوطنية للتغيير، التى ضمت العديد من الأطياف السياسية التى جمعتها معارضة مبارك ورفض التوريث وضرورة تغيير النظام، وخلال ذلك قامت حملة لجمع توقيعات وتوكيلات للدكتور البرادعى، وجمع الإخوان عام 2010 ما يقرب من 300 ألف توكيل، بل أعلنوا كعادتهم فى التضخيم أنهم جمعوا 800 ألف توكيل من أجل ترشيح البرادعى.
كما كان حمدين صباحى يقود مظاهرات يناور فيها الإخوان ويحضرونها بقيادته، ونفس الأمر فى كفاية، لكن كل هؤلاء الحلفاء السابقين ومن عارضوا مبارك تم اعتبارهم أعداء للوطن لمجرد خلافهم مع الجماعة والرئيس، لكن هذه الأرضية المشتركة مع البرادعى تم تلغيمها وحرقها وبقدرة قادر أصبح البرادعى عميلا يتآمر مع حمدين صباحى وجبهة الإنقاذ لإسقاط الرئيس المنتخب لأنهم يرفضون الصناديق، وتحولت جبهة الإنقاذ إلى «جبهة الخراب، جبهة الفوضى والإحراق، جبهة عبده مشتاق» حسبما أطلقت عليها الجماعة فى أدبياتها.
وأصر الرئيس مرسى وجماعته على المضى فى إقرار دستور لا توافق عليه، واعتبار الجبهة واعتراضاتها مؤامرة ضد الرئيس والدولة. واشترك مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع مع خيرت الشاطر فى اتهام الجبهة بالتآمر صراحة أو رمزا. ليتحول حلفاء الأمس إلى أعداء.. ووصل الأمر لاتهام البرادعى بمحالفة الفلول.
حضرات المستشارين.. لا حاجة لكم
وإذا قلنا إن هناك خلافا بين الجماعة والقوى المدنية وصل للعداء، فقد استمر ضرب الحلفاء مع مستشارى الرئيس، الذين اكتشفوا أنه تم اختيارهم فى الفريق الاستشارى للشكل والديكور، ورأينا كيف استقالت سكينة فؤاد وأيمن الصياد وعمرو الليثى بعد الإعلان الدستورى للرئيس فى نوفمبر.. وسبقهم سمير مرقص وتبعهم سيف عبدالفتاح، وتمت إقالة خالد علم الدين وتسربت اتهامات ضده، وكشفت استقالات مستشارى الرئيس أنهم كانوا بلا أهمية، ولم تتم استشارتهم، ولا عرض أى قرارات عليهم، بل إنهم كشفوا عن أن الإعلان الدستورى للرئيس والعدوان على القضاء، تم من دون عرضه عليهم، وردت جماعة الإخوان بأن آراء المستشارين ليست ملزمة للرئيس أو الجماعة. واختتمت استقالات المستشارين باستقالة المستشار فؤاد جاد الله الذى كان أقرب المستشارين للرئيس، وكشف عن غياب الرؤية لسيطرة جماعة الإخوان على الرئاسة، لنكتشف أن هناك من هو أكثر قدرة على السيطرة، وأن المستشارين مجرد ديكور للشكل يتم التخلص منهم.
النور.. حليف التأسيسية انتهى بعد الدستوروحتى حزب النور السلفى الذى كان أقرب الحلفاء لجماعة الإخوان لم يسلم من الاستبعاد، وبدأ الأمر بإقالة خالد علم الدين مستشار الرئيس للبيئة، وتسريب اتهامات له. لتبدأ خلافات علنية بين الجماعة وحزب النور الحليف الإسلامى.
وخرج حزب النور ليبدأ إعلان رفضه لانفراد الجماعة وسياسات أخونة المناصب والسعى لفرض سيطرة الجماعة على مفاصل الدولة. وهو ما تكرر فى تصريحات رئيس الحزب يونس مخيون، فضلا عن تمايزات النور عن مواقف الجماعة فى قضايا مختلفة داخل مجلس الشورى، لينضم النور السلفى على قائمة الأعداء.
وهكذا فإن الخلاف مع جماعة الإخوان لم يولد فجأة، لكنه ولد خطوة وراء أخرى وبدأته الجماعة التى غلبت مصالحها، وتخلت عن وعودها، واعتبرت كل تحالف مرحلة، وكل حليف سلمة فى الطريق إلى السلطة.
خلال المسافة من الميدان إلى الانتخابات تخلت عن وعودها، وتعاملت مع أى إشارة بشكل مصلحى، ودون النظر لباقى زملاء الميدان. لم يبدأ الخلاف مع الإخوان فجأة، لكنه تكون خطوة وراء أخرى، كما أن موقفها كان يتحدد حسب المصلحة. بدأت بزملاء الميدان والبرادعى وحمدين، ووصلت إلى أن تعتبر كل من يعارضها فلولا ومتآمرا يريد إعادة النظام السابق، حتى لو كان من سجناء مبارك ومعارضيه غير المشكوك فيهم.
الاستفتاء والبرلمان.. كل زملاء الميدان خصوم
بدأت الجماعة تحركاتها من أجل جنى ثمار ثورة لم تكن هى التى خططت لها، أو جهزتها، بل ناورت قبل المشاركة بها، وأعلنت عدم المشاركة رغبة فى الإبقاء على خيط مع نظام مبارك، ونزلت بعد تأكدها من حتمية رحيله. لكن نزول الجماعة المتأخر لم يمنعها من السعى لجنى أكبر قدر من الثمار، حرصت على حضور اللقاءات مع نائب الرئيس السابق عمر سليمان قبل تنحى مبارك، وكان حضورها فى البداية بتنسيق مع القوى السياسية الأخرى، ومنها مجلس الحكماء الذى ضم عددا من السياسيين والنشطاء، وبدأ انفصالها عن مطالب المجموع. مع بدء المرحلة الانتقالية أعلن المجلس العسكرى تعطيل العمل بدستور 71، وإصدار إعلان دستورى بتعديلات دستورية والاستفتاء عليها، وأصرت القوى السياسية على أن تتم كتابة الدستور أولا حتى لا تجرى انتخابات برلمانية ورئاسية تفتح الباب لصراع سياسى، أو انفراد تيار بكتابة الدستور. وأعطى المجلس العسكرى لقمة للجماعة من خلال وضع صبحى صالح ضمن لجنة الإعلان الدستورى مارس 2012، وكان السياسى الوحيد ضمن لجنة قانونية ودستورية محضة. كانت الجماعة هى أكثر تيار سياسى يؤيد التعديلات، واستخدمت الدعاية المضادة لمن يرفضون التعديلات ويطالبون بدستور يضمن الحقوق والواجبات قبل الانتخابات، وسعت الجماعة لحشد حلفائها من السلفيين لتصوير قبول ورفض الإعلان بأنه قبول أو رفض للإسلام.
ثم دفعت نحو انتخابات برلمانية سريعة بالرغم من بوادر الصدام، وتخلت عن الثوار والنشطاء الذين تحالفوا مع بعضهم لأجل الانتخابات، بل تجاهلت أحداث محمد محمود، ورفضت التعاطف وأصرت على أن تنعقد الانتخابات.
ما إن فازت بما ظنته أغلبية حتى أعلنت أن الثورة انتهت، ورفعت شعار شرعية البرلمان تنهى شرعية الميدان.
الجمعية التأسيسية.. الجماعة ترفع شعار أنا الأغلبية
الخلاف الأكبر الذى كشف عن نية الجماعة الانفراد بدأ مع تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وبدأ طمع الجماعة بعد حصولها على الأغلبية فى انتخابات مجلسى الشعب والشورى، ومع تكوين الجمعية التأسيسية للدستور فى مارس 2012، استغلت الجماعة نصا غامضا وملتبسا فى التعديلات الدستورية التى تمت فى مارس 2011، حيث أعطت المادة 60 من الإعلان الدستورى الحق لمجلسى الشعب والشورى فى اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية المائة. المادة جاءت مبهمة الصياغة دون معايير واشتراطات، وكان الاتفاق على أن الدستور وثيقة مهمة تتطلب أعلى مستويات التوافق بين القوى السياسية والجماعات والمكونات الاجتماعية ومؤسسات الدولة، وتمثيلهم جميعا فقد تفسير النص الغامض لصالح تشكيل الجمعية من نواب تم انتخابهم على خلفية تنافس سياسى اتسم بالشراسة والعداء والاستقطابات الدينية والسياسية.
وظهرت رغبة الإخوان والإسلاميين فى السيطرة على الأغلبية داخل الجمعية باستغلال غموض المادة. وفى 3 مارس 2012 بدأت أولى جلسات الجمعية، وفى 17 مارس 2012 تم التصويت على تشكيل الجمعية من داخل وخارج البرلمان، لتصبح نسبة نواب البرلمان 50%، و%50 من خارجها، وفى 24 مارس 2012 عقد الاجتماع الثالث، وأقرت الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى أسماء الـ100 عضو، وانقسمت نسبة %50 من داخل نواب البرلمان إلى 36 مقعدا لحزبى الحرية والعدالة والنور السلفى، و14 مقعدا للأحزاب الأخرى والمستقلين، كالوفد، والمصرى الديمقراطى، والإصلاح والتنمية، والمصريين الأحرار، والوسط، والكرامة، والإصلاح والتنمية، والبناء والتنمية. وانقسمت نسبة %50 من خارج البرلمان إلى 12 مقعدا للإسلاميين، و38 مقعدا للآخرين. وبهذا ضمن الإخوان والإسلاميون الأغلبية بعد ضمان حزب الوسط الذى بدا «رديفا» للجماعة فى أغلب تحركاتها، ومعه حزب البناء والتنمية للجماعة الإسلامية.
وانسحب ممثلو الأزهر والكنائس والمحكمة الدستورية وأحزاب مدنية اعتراضا على تشكيل خلا من نسبة معقولة للشباب والمسيحيين والنساء، وأبناء الأقليات الأخرى الصغيرة والمناطق النائية.
وتوالت الدعاوى أمام المحكمة الإدارية لينتهى الأمر بحكم المحكمة الإدارية العليا، فى 10 إبريل 2012، ببطلان تشكيل الجمعية، لتبدأ عملية تشكيل الجمعية التأسيسية، لكن جماعة الإخوان تمسكت باتجاهها للإبقاء على الأغلبية فى يدها، وأقر مجلسا الشعب والشورى فى 13 يونيو 2012 التشكيل الثانى للجمعية التأسيسية، وانسحب ممثلو أحزاب مدنية بسبب هيمنة المنتمين للتيار الإسلامى عليها، وبعد ذلك أقرت المحكمة الدستورية العليا فى 14 يونيو 2012 حل مجلس الشعب لعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات، وفى 17 يونيو أصدر المجلس العسكرى إعلانا دستوريا جاء فيه «إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها يشكل المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال أسبوع جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه خلال 15 يوما من تاريخ الانتهاء من إعداده».
ودافعت الجماعة عن طريقتها فى اختيار الجمعية التأسيسية، ولم تلق بالا لاعتراضات حلفاء سابقين، لأنها وجدت أنها أخذت منهم الغرض، وتخلت عن القوى المدنية. لكنها تمسكت بالحلف مع السلفيين والإسلاميين لاستمرار حاجتها لهم، وبالرغم من ذلك فقد وجدت الجماعة ومرشحها للرئاسة تأييدا ودعما من قوى سياسية مختلفة، عندما انتهت الجولة الأولى للإعادة بين مرشح الإخوان، ومرشح النظام السابق الفريق أحمد شفيق.
الجبهة الوطنية.. وثيقة تعهدات طارت بعد الرئاسة
و تشكلت الجبهة الوطنية لاستكمال الثورة قبل التصويت فى جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، وضمت شخصيات عامة وسياسيين ونشطاء وعددا من شباب الثورة، ومن أبرز أعضاء الجبهة د.عبدالجليل مصطفى، د. هبة رؤوف عزت، د. علاء الأسوانى، د. سيف عبدالفتاح، د. محمد السعيد إدريس، سكينة فؤاد، وائل غنيم، وائل خليل، إسلام لطفى، محمد القصاص، أحمد إمام، والإعلاميان وائل قنديل، وحمدى قنديل الذى أعلن انسحابه منفردا من دعم الرئيس مرسى بعد فترة قصيرة.
وأعلنت الجبهة تأييدها لمرشح الجماعة، ووقعت وثيقة للشراكة فى 27 يونيو مع المرشح الرئاسى الرئيس مرسى وقيادات الجماعة، وطالبت الجبهة مرسى بتعهدات فى حالة فوزه هى: التأكيد على الشراكة الوطنية التى تعبر عن أهداف الثورة وكل أطياف ومكونات المجتمع المصرى، وأن يضم الفريق الرئاسى حكومة إنقاذ وطنى تضم كل التيارات ويكون رئيسها شخصية مستقلة، وتكوين فريق إدارة أزمة يشمل رموزا وطنية للتعامل مع الوضع، وضمان استكمال إجراءات تسليم السلطة للرئيس المنتخب، والسعى لتحقيق التوازن فى تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين، والشفافية والوضوح. وحول الجبهة كان هناك نشطاء وثوريون ممن أطلقوا على أنفسهم «عاصرى الليمون».
الجبهة كانت تراهن على أن أى رئيس منتخب بعد ثورة لا يمكنه أن يكرر خطوات النظام السابق لمبارك باستبداده واحتكاره، لكن بعد تولى الرئيس مرسى اكتشفت الجبهة أنه تم الضحك عليها وأن الجماعة خدعتهم. تخلى الرئيس مرسى وجماعته عن وعودهم فى تغيير الجمعية التأسيسية أو رئيس وزراء مستقل، وتنصل الرئيس وقيادات الجماعة من وعودهم للجبهة، فقد تم اختيار هشام قنديل لرئاسة الحكومة، على غير رغبة القوى الوطنية. وحاولت الرئاسة تخفيف وقع الصدمة، بالإعلان عن تشكيل فريق رئاسى واختيار المستشار محمود مكى نائبا للرئيس، ووضع عدد من الشخصيات العامة ضمن الهيئة الاستشارية مثل الإعلاميين سكينة فؤاد وأيمن الصياد وعمر الليثى، والدكتور سمير مرقص ومحمد سيف الدولة، والدكتور سيف عبدالفتاح، بجانب الدكتور خالد علم الدين وعماد عبدالغفور من السلفيين، وعصام العريان من الإخوان والدكتورة باكينام الشرقاوى. وبالطبع كانت السيادة لقيادات الإخوان فى الرئاسة، حيث شغل الدكاترة عصام الحداد وياسر على، وأحمد عبدالعاطى المواقع الرئيسية من إدارة مكتب الرئيس أو المتحدث الرسمى.
ومع الوقت بدأت الجماعة تبدى وجها آخر تجاه حلفائها ومنها الجبهة التى تشكلت لهدف واحد هو مساندة مرسى فى مواجهة شفيق أو مرشح الثورة فى مواجهة مرشح الفلول. لكن مرشح الثورة انقلب على عقبيه. واضطرت الجبهة لحل نفسها من الشراكة مع مؤسسة الرئاسة، بعد اكتشافها انقلاب الرئاسة وجماعة الإخوان.
البرادعى.. حليف الجمعية الوطنية وشيطان جبهة الإنقاذ
على مستوى الحلفاء السابقين فقد كان الدكتور محمد البرادعى من أكثر الشخصيات التى تحلق حولها الإخوان ورئيسهم الدكتور مرسى ودافعوا عن البرادعى عندما عاد لمصر 2009 وأسس الجمعية الوطنية للتغيير، التى ضمت العديد من الأطياف السياسية التى جمعتها معارضة مبارك ورفض التوريث وضرورة تغيير النظام، وخلال ذلك قامت حملة لجمع توقيعات وتوكيلات للدكتور البرادعى، وجمع الإخوان عام 2010 ما يقرب من 300 ألف توكيل، بل أعلنوا كعادتهم فى التضخيم أنهم جمعوا 800 ألف توكيل من أجل ترشيح البرادعى.
كما كان حمدين صباحى يقود مظاهرات يناور فيها الإخوان ويحضرونها بقيادته، ونفس الأمر فى كفاية، لكن كل هؤلاء الحلفاء السابقين ومن عارضوا مبارك تم اعتبارهم أعداء للوطن لمجرد خلافهم مع الجماعة والرئيس، لكن هذه الأرضية المشتركة مع البرادعى تم تلغيمها وحرقها وبقدرة قادر أصبح البرادعى عميلا يتآمر مع حمدين صباحى وجبهة الإنقاذ لإسقاط الرئيس المنتخب لأنهم يرفضون الصناديق، وتحولت جبهة الإنقاذ إلى «جبهة الخراب، جبهة الفوضى والإحراق، جبهة عبده مشتاق» حسبما أطلقت عليها الجماعة فى أدبياتها.
وأصر الرئيس مرسى وجماعته على المضى فى إقرار دستور لا توافق عليه، واعتبار الجبهة واعتراضاتها مؤامرة ضد الرئيس والدولة. واشترك مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع مع خيرت الشاطر فى اتهام الجبهة بالتآمر صراحة أو رمزا. ليتحول حلفاء الأمس إلى أعداء.. ووصل الأمر لاتهام البرادعى بمحالفة الفلول.
حضرات المستشارين.. لا حاجة لكم
وإذا قلنا إن هناك خلافا بين الجماعة والقوى المدنية وصل للعداء، فقد استمر ضرب الحلفاء مع مستشارى الرئيس، الذين اكتشفوا أنه تم اختيارهم فى الفريق الاستشارى للشكل والديكور، ورأينا كيف استقالت سكينة فؤاد وأيمن الصياد وعمرو الليثى بعد الإعلان الدستورى للرئيس فى نوفمبر.. وسبقهم سمير مرقص وتبعهم سيف عبدالفتاح، وتمت إقالة خالد علم الدين وتسربت اتهامات ضده، وكشفت استقالات مستشارى الرئيس أنهم كانوا بلا أهمية، ولم تتم استشارتهم، ولا عرض أى قرارات عليهم، بل إنهم كشفوا عن أن الإعلان الدستورى للرئيس والعدوان على القضاء، تم من دون عرضه عليهم، وردت جماعة الإخوان بأن آراء المستشارين ليست ملزمة للرئيس أو الجماعة. واختتمت استقالات المستشارين باستقالة المستشار فؤاد جاد الله الذى كان أقرب المستشارين للرئيس، وكشف عن غياب الرؤية لسيطرة جماعة الإخوان على الرئاسة، لنكتشف أن هناك من هو أكثر قدرة على السيطرة، وأن المستشارين مجرد ديكور للشكل يتم التخلص منهم.
النور.. حليف التأسيسية انتهى بعد الدستوروحتى حزب النور السلفى الذى كان أقرب الحلفاء لجماعة الإخوان لم يسلم من الاستبعاد، وبدأ الأمر بإقالة خالد علم الدين مستشار الرئيس للبيئة، وتسريب اتهامات له. لتبدأ خلافات علنية بين الجماعة وحزب النور الحليف الإسلامى.
وخرج حزب النور ليبدأ إعلان رفضه لانفراد الجماعة وسياسات أخونة المناصب والسعى لفرض سيطرة الجماعة على مفاصل الدولة. وهو ما تكرر فى تصريحات رئيس الحزب يونس مخيون، فضلا عن تمايزات النور عن مواقف الجماعة فى قضايا مختلفة داخل مجلس الشورى، لينضم النور السلفى على قائمة الأعداء.
وهكذا فإن الخلاف مع جماعة الإخوان لم يولد فجأة، لكنه ولد خطوة وراء أخرى وبدأته الجماعة التى غلبت مصالحها، وتخلت عن وعودها، واعتبرت كل تحالف مرحلة، وكل حليف سلمة فى الطريق إلى السلطة.