تعديل حكومي وشيك
اذا اراد مجلس النواب استثمار مناقشات الثقة لحساب شعبيته الشارعية فعليه الامتناع عن دخول افراده الى مجلس الوزراء والاكتفاء بتنسيب اسماء من خارجه الى الحكومة التي اعلن رئيسها انه مقبل على تعديل فريقه بعد عودة الملك من واشنطن , وعليه الاستمرار في ممارسة الرقابة الجادة على الحكومة دون الدخول في ردهاتها والخضوع لمنطق التوافقات والحسابات المعقدة لاحقا بين الكتل وبين المستقلين , بشكل يُضعف الرقابة ويُفضي الى تسويات صامتة على حسابها .
والامر ينطبق على الرئيس النسور ايضا , فاستمرار الفصل بين السلطات ضرورة وطنية لتعميق مفهوم الرقابة وتعميق ضرورة الوصول الى تشريعات ضامنة لحكومة برلمانية واضحة المعالم والتفاصيل دون التسويات والتوافقات الكتلوية , فقانون الانتخاب الحالي اظهر ان الحكومة البرلمانية غير متحققة وتشبه الغول والعنقاء , فلا كتل ثابتة ولا قوائم نجحت في تحقيق نصر يؤهلها لان تتقدم لتشكيل حكومة , فأرضية الكتل النيابية رخوة حتى الكتل الحزبية حسب مخرجات التصويت على الثقة بالحكومة .
رسالة التعديل الحكومي على برنامج " يسعد صباحك " يوم الجمعة تحمل مضامين قلق ومضامين راحة , فالقلق نابع من انقلاب الخطاب النيابي او تحوله من خطاب ناقد جريء الى خطاب استثماري يستهدف تحقيق مصالح برلمانية على حساب الرقابة الشعبية , ووصول الرئيس الى توافقات مع مجلس النواب من اجل تمرير الثقة وتاليا يقبض النواب الثمن . اما المضماين الايجابية والتي لا يمكن تحقيقها بإختلاط المقاعد النيابية بالمقاعد الوزارية , فهي انكشاف حقيقة الخلل في التشكيلة الحكومية بعد كلمات النواب وانتقادهم العميق لطبيعة التشكيلة الحكومية وتعدد الحقائب في يد الشخص الواحد وبالتالي استجابت الحكومة للرقابة الشعبية عبر مجلس النواب .
الحكومة والنواب يعلمون يقينا ان حكومة برلمانية مستحيلة في ظل قانون ملتبس وغائم , ومحاولة تلبيسه لبوس القانون القادر على انتاج اكثر من حكومة توافق فيه تجاوز على الحقيقة وتضييع لفرصة انتاج قانون عصري يوصلنا الى حكومة برلمانية والى برلمان قادر على المراقبة والمحاسبة والتنفيذ .
فالحكومة البرلمانية تراقبها حكومة الظل للكتلة التي تلي الكتلة الفائزة وتحالفاتها , وبالتالي يتحقق مفهوم الرقابة على التنفيذ من داخل الرحم النيابي اما الان فآلية الرقابة وادواتها غير متحققة وغير ممكنة بل يمكن ان تضيع الرقابة مقابل التسويات الصامتة وتصبح المعادلة " شيّلني وشيّلك " , فحجب الثقة عن وزير ينتمي الى كتلة ما سيجعل من تلك الكتلة مناكفة او مدافعة بشكل عصبوي لا مهني .
الافضل ان يجري الرئيس التعديل وفقا لمشاوراته مع النواب والكتل النيابية دون دخول النواب الى الحكومة الى حين تعديل قانون الانتخاب واجراء انتخابات جديدة على قانون يضمن الرقابة من رحم البرلمان , وعلى الحكومة ان تشرع في حوار وطني عميق للوصول الى قانون انتخاب توافقي يضمن حكومة برلمانية حقيقية , وكذلك السير في تعديل قوانين المالكين والمستأجرين وقانون الضمان الاجتماعي وقانون الضريبة لتوفير بدائل للاقتصاد الذي يعاني من اختلالات جوهرية سببه التشوه في قانون الضمان وقانون الضريبة وانعكاس هذا التشوه على بيئة الاستثمار في الاردن .
المرحلة تتطلب اصلاحا على كل المستويات ولا يوجد اولوية لملف على ملف اخر فكل الملفات تحتاج الى توضيب واصلاح بسرعة قصوى مع التركيز على التخصص في الاعمال فالحكومة تضع التشريعات وتنفذ السياسات والنواب يراقبون ويشرعّون ويضمنون حسن التنفيذ .