فـي البيـت الأبيـض
لا يمكن لأحد أن يقتنع أن هناك مصلحة تتحكم بالعقلية الأميركية خصوصاً على مستوى النخبة الحاكمة في الإدارة والكونغرس سوى المصلحة الأميركية المباشرة، والمصلحة الإسرائيلية من جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والأمنية. ولكنّ هناك هامش حركة كبيرًا لمن يريد النفاذ إلى هذه الذهنية، والاستفادة من النفوذ الأميركي في العالم كدولة عظمى تتحكم بالقرار الدولي.
خلال أسبوع من اللقاءات في العاصمة الأميركية واشنطن، وبالذات أمس عندما كنا بمعية الملك، في البيت الأبيض، استطعت أن ألمس إلى حدٍ لا بأس به كيفية إمكانية الحوار مع العقل الأميركي الذي يعتمد على الحجة القوية، والفكرة الواضحة والهدف المحدد دون مواربة أو تذاكٍ؛ وهذا ما أهّل الأردن بقيادة الملك أن يحتل مساحة واسعة من الاحترام والاهتمام الأميركييْن، إذْ يتسلح بأفكار محددة تجاه كل القضايا الإقليمية وتلك التي تخصه بذاته.
يعترف الأميركيون أن الملك عبدالله الثاني ثابت في خطه السياسي وفي التعبير عن هذا الخط في كل الملفات بكافة المنعطفات والمراحل؛ فعلى مستوى القضية الفلسطينية التي تشهد تراجعاً في الاهتمام على كل المستويات، نتيجة تصاعد الأزمة في سورية بقوة وتسارع، يستمر الملك ،دائماً، بعرض رؤيته ذاتها أمام الإدارة والكونغرس في أميركا: حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحقه كذلك في دولته المستقلة.
أما على صعيد الأزمة السورية، فالملك يقدمها برؤية واضحة، ومفهوم راسخ منذ اندلاعها... لا للتدخل العسكري مع دعم الحل السياسي بضغط دولي تحت قيادة واضحة، يحفظ سورية من الانزلاق نحو هاوية الصراع الطائفي، والتقسيم، وبالتالي التناحر، كما يحفظ المنطقة من اندلاع النار السورية خارج الحدود؛ الأمر الذي يهدد أمن المنطقة بكاملها.
عندما يعرض الملك المعادلة الأردنية أمام الأميركيين على المستوى الاقتصادي، يكون في هذه المرحلة متسلحاً بتجربة ديمقراطية متصاعدة ومتراكمة، فرغم كل الفوضى التي يشهدها الوطن العربي برز النموذج الأردني كنموذج متميز ويستحق الدعم، إذْ حقق الأردن أسباب الاستمرار في البناء والحياة، محصنا بصلابة القاعدة الشعبية وتماسكها وجدية العملية الديمقراطية؛ التي تسير على الطريق بثقة كاملة.
الأميركيون يقولون: إن الأردنّ نجح بالبدء بتطبيق نموذج ديمقراطي حقيقي على أرض الواقع، رغم كل الصعوبات التي تواجهه، سواء على الحدود أم على الجانب الاقتصادي، واستطاع أن يتخطى منعطفاتٍ خطيرة مرت بها المنطقة كان من الممكن أن تؤثر سلباً على أمنه واستقراره، لكن شكلت تجربته الديمقراطية وحالة الانفتاح التي يعيشها حماية له من هذه التأثيرات الجارفة.
طوال أسبوع كانت الملفات العربية الرئيسة، وملف الاقتصاد الأردني حاضرة على الساحة السياسية الأميركية، وخصوصاً أمس في البيت الأبيض إذْ كان الملك بمثابة سفير المنطقة العربية إلى بيت القرار الاميركي، حيث حمل هذه الملفات ليعرضها أمام القيادة الأميركية... عندما كان الملك يتحدث لأوباما أمس من السهل جداً أن يلاحظ المراقب أن الرئيس الأميركي كان يتخطى جانب المجاملة في الاستماع إلى درجة الإصغاء التام إذْ يدرك أن الملك يتحدث كلاعب أساس في المنطقة، ذي خبرةٍ عالية وعميقة في ظروفها، وكرمز في الاعتدال والواقعية، على المستوى الوطني والاقليمي؛ الأمر الذي تحتاجه السياسة الدولية في هذه الفترة بالذات، لإعادة التوازن إلى المنطقة، خدمة للسلم العالمي.
في المحصلة جاءت القمة الأردنية الأميركية أمس من ناحية التوقيت والمضمون، هامة بكل تفاصيلها، حيث عقدت في لحظة حرجة تمر بها منطقتنا.
بعيدا عن السياسة وتداخلاتها ومواقفها وتشعباتها .. وانت تجلس في المكتب البيضاوي الذي يدير الامريكيون العالم من خلاله تسال نفسك كم عمر حضارتهم وكم عمر حضارتنا ؟ والى اي مدى يمتد تاريخنا مقارنة بامتداد تاريخهم ؟ وكم حجم امكاناتهم مقارنة بامكانات امتنا ؟ وتسال نفسك اين هم واين نحن؟!