لأنها "العرب اليوم"

 

لو أقسمت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والإعلامية، أغلظ الأيمان أن ما يجري مع "العرب اليوم" ومالكها مجرد قصة مالية، لن يشتري الرأي العام هذه الرواية، لأن صحيفة سقفها السماء دائما، قبل أن تعرف غيرها السقوف، ولأن الجرأة والسبق والمهنية والخط الوطني نهج الحياة فيها، فلن يضير "العرب اليوم" مؤامرة، ولن يُسكت صوتها مفزوع.
فالقصة من ألفها إلى يائها سياسية بامتياز؛ وحرية إعلام بالدرجة الأولى؛ ومواقف الصحيفة ومالكها في أحداث معينة، فلا تنسوا مواقف "العرب اليوم" في كشف الفساد، وفي تقويم الحراك الشعبي بعد عامين، والتوجه لإلغاء الاستثناءات الجامعية..، وغيرها من القضايا التي تميزت "العرب اليوم" بنشرها بمهنيتها المشهودة.
فالقضية بوضوح ليست مالية، وليست شيكا مدفوعا لتاجر عراقي منذ سبع سنوات، يأتي بعد ذلك من يطالب به، فهناك مئات الآلاف من الشيكات المرتجعة، والمحالة إلى القضاء، لا يتم التعامل معها بهذه الطريقة، كما أن هناك الآلاف من المطلوبين للتنفيذ القضائي، وبعضهم من الوسط الإعلامي لا يتم التشهير بهم مثلما وقع مع جريسات و"العرب اليوم".
بسرعة، انكشفت خلفية الحملة الشرسة التي تعرضت لها "العرب اليوم" ومالكها جريسات خلال الشهرين الماضيين، وساهمت بها للأسف مؤسسات إعلامية، بعضها بقصد وتوظيف من جهات أخرى، وبعضها من باب المجاملة التي تعشعش في الوسط الإعلامي، كما ساهمت جهات نقابية وسياسية -عندها حَوَلٌ سياسي- في حملة التشهير.
لِنقُولها بصراحة، وبملء الفم، إن "العرب اليوم" ومالكها يتعرضان لهجمة شرسة.
بصراحة أكثر "ليست رمانة بل قلوب وحمانة"...
ولأنها "العرب اليوم" التي تقف منذ انطلاقتها في عام 1997 على رؤوس أصابعها، لا تقبل الانحناء، ولا تقبل الترويض، كانت دائما نقطة استهداف من قبل قوى الفساد والإفساد في بلادنا.
"العرب اليوم" قصة الصحافة الوطنية في الأردن، من دون التقليل من الزميلات الأخريات، فلكل لونه السياسي، وطعمه الوطني، حتى لو تنوعت الآراء فيها، وتوسعت باقة الزهور من الكتاب والآراء، وكان حجم المعجبين بها أقل من حجم الغاضبين منها، فهي التي فضحت الفساد منذ تلوث المياه في زي، إلى أن سجلت سبوقات صحافية في جميع فترات عمرها.
ما بين "العرب اليوم" وبين مالكها الشيء الكثير، من التشابه، في الطيبة، والموقف، والبساطة.
إذا وصل التهديد لـ"العرب اليوم" إلى الاحتجاب والإغلاق، فإن الخاسر ليس إلياس جريسات، وليس فقط الـ400 عائلة للعاملين فيها، وإنما الخاسر الأكبر الوطن، الذي يغلق بابا واسعا من أبواب الحرية، وتخسر الدولة صوت المعارضة الذي سيتحول إلى صدى في الشارع، كما تخسر القوى السياسية من أحزاب ونقابات وحراكات شعبية ومؤسسات المجتمع المدني منبرا منحازا للحرية والديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان...
بعد هذا كله، هل هناك من يظن أن القضية مالية، وليست سياسية بامتياز؟.