أسرار الغضب

 

الناس في الغضب أجناس. فمنهم مَنْ هو سريع الغضب والرضا؛ ومنهم من هو بطيء الغضب والرضا؛ ومنهم من هو سريع الغضب، لكن بطيء الرضا. أما أفضلهم وأحكمهم فهو بطيء الغضب، لكن سريع الرضا. وللغضب آدابٌ وأحكام. فالغضب المحمود هو ما كان في سبيل الإيمان ومن أجل الحق؛ والغضب المذموم ما كان في سبيل الباطل.
يقول الحكماء: اغضبوا ولا تخطئوا. فالغضب مصحوب بالجهل؛ والغَضوب كثير المعاصي. والغضب جنون مؤقت، ولا يستمر إلا مع الجهلة؛ لأنه يُعمي الإنسان عن الفهم الصحيح.
الغضب يفرز الأدرينالين في الجسم بكثرة؛ الأمر الذي يجعل الدم يُضَخ سريعًا وبقوة إلى القلب. والدراسات تشير إلى أن أكثر من نصف رجال الأردن وثلث نسائه يعانون من ارتفاع في ضغط الدم.
إذا بحثنا في أسباب ذلك، نجد الكثير مما يرفع ضغط الدم عند المواطن الأردني. فتصارع القوى السياسية في بلدنا بعضها مَعَ بعض، وقوى الشد العكسي التي تؤخر عملية الإصلاح والتغيير، تزيد من غضب المواطن. وتجد أيضًا أن القوى الاقتصادية عاجزة عن إيجاد الحلول الناجعة واتخاذ القرارات الصحيحة؛ ما أوصلنا إلى الأزمة الاقتصادية الراهنة. وقد أخذت أزمة الاقتصاد الأردني تتفاقم وتستعصي. ويبدو أنها خرجت عن سيطرة المسؤولين. ومؤشرات المديونية والعجز تجاوزت الحد المسموح به، ولامست مرحلة الخطر. أضف إلى ذلك سوء الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والمعيشية؛ وغياب الاستقرار الإنساني في المدن والقرى والبادية. كما أن نار أسعار السلع والمواد الغذائية التي أحرقت دخل المواطن وأخرجته إلى الشارع زادت من حدة غضبه. ونحن نعلم أن أهم ما يؤدي إلى العنف بأنواعه هو ارتفاع مؤشر الفقر والبطالة.
السياسة الطاردة للكفاءات في هذا البلد تعمل بامتياز. وقد نجحت إلى أبعد الحدود في تحقيق هذا الهدف. فمن قال إن أفضل الكفاءات هي مَنْ وصل إلى قبّة البرلمان أو مَنْ أصبح وزيرًا أو مديرًا أو رئيسًا؟ لماذا لا تجد الكفاءة والمؤهل العلمي الملائم الفرصة اللائقة في هذا البلد، لتمكنها من العيش الكريم؟ لماذا لا نحترم كفاءة غيْرنا ونقدّرها ونعطيها حقها؟ ففي الغرب مَنْ يأتي بشيء جديد في مجال عمله ينال الاحترام والتقدير اللائقيْن؛ والكل يسانده ويشجعه. أما الحال في الأردن، فهو عكس ذلك تمامًا. فمن يملك الكفاءة وينجز أكثر، توضع أمامه العراقيل والمطبات؛ لا بل نحاربه حتى يصل إلى مرحلة القرف ولا يعود أمامه إلا أن يغادر بلده إلى حيث يلقى الاهتمام والرعاية والتقدير.
عندما يستثمر مواطن أردني ماله المحدود، الذي كسبه بعَرق جبينه بعد صراع طويل، في مشروعٍ أردني نبيل؛ ويتبرع بنصف مليون دينار لصندوق المحافظات، وبمئات الآلاف من الدنانير لتشجيع الثقافة بأنواعها؛ ويُغدق على كل محتاج جاءه من كل بقعة في الوطن؛ فكيف يُحارَب وتُحاك المؤامرات ضده؟ لماذا يقفون ضد كل شيء ناجح؟ في حين أن بعض من تربّع على عرش الثراء وجمع الملايين من دون وجه حق، ولم يقدم لهذا البلد جزءًا بسيطًا مما قدمه، تُفتح له الأبواب للمزيد من الكسب غير المشروع، ويُترك ليسرح ويمرح كما يشاء؟
القوانين التي ندعي فيها أننا دولة مؤسسات يجب أن يدعمها حس أخلاقي، ومعايير أخلاقية قِيَميّة، حتى تتمكن من خدمة الإنسان. فصلابة القوانين أحيانًا وقساوتها لا تقود إلا إلى مزيدٍ من التوتر والاحتقان؛ خاصة عندما لا تُطبَّق بعدالة على الجميع. هناك إشكالية حقيقية تتعلق بتجريد بعض القوانين من القيم الأخلاقية. فالقانون يردع، والأخلاق تنمي شخصية الفرد، واختلال منظومة القيم والأخلاق تؤدي إلى اختلال في منظومة القوانين. كما أن القانون في حالات كثيرة لا يكون أخلاقيًا. وبهذا نكون أحيانًا قد استخدمنا القانون لمساعدة من لا أخلاق عنده. هذه إشكالية يجب على منظري القوانين ومنفّذيها مراعاتها.
هناك غضب سياسي، مجتمعي، أخلاقي، اقتصادي، علمي، تعليمي، ما فتئ يهدر منذ سنوات. أما آن الأوان لأن نُصغيَ إليه ونستمع إلى نداء البطون والضمائر عند الشعب الذي طال غضبه؟