الملك في واشنطن .. الاعتدال والمصالح العربية والأزمة السورية * واشنطن

 

بقلم محمد حسن التل
اهمية زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني للولايات المتحدة الاميركية، تأتي في خضم التحديات والمخاطر، التي تلقي بظلالها، على مجمل الاوضاع السياسية في المنطقة والاقليم، ازاء مجموعة كبيرة من القضايا الحيوية والحساسة، لبلورة موقف عربي واقعي يعبر عنه جلالة الملك، لمجابهة القضايا الماثلة والتصدي لإفرازاتها التي تتهدد الحاضر والمستقبل العربي، وفي مقدمتها الازمة السورية والقضية الفلسطينية التي ظلت على الدوام في طليعة الأجندة الأردنية، اضافة الى الهم الاردني في جانبة الاقتصادي والتحديات الضاغطة على الاقتصاد الاردني.

هذه الملفات تكتسب اولوية بالغة في اجندة زيارة جلالة الملك الى واشنطن، في جانبين: الاول اهمية هذه الملفات وضرورة استيعاب الادارة الاميركية والرأي العام الاميركي حقيقة الوضع الراهن والإدراك العميق لانعكاساتها على مستقبل شعوب المنطقة، والثاني ان الثقل الاردني هنا في الولايات المتحدة الاميركية والاحترام والثقة التي يكتسبها حضور جلالته ومواقفه المعبرة بوضوح وبواقعية واعتدال في تشخيص جلالته لواقع الحال في المنطقة والتحديات والتداعيات التي تمر بها في هذه المرحلة بالغة الاهمية، واستشراف الحلول بكل حكمة وحنكة مشهودة، هي كفيلة بإزالة الإحباط وتحقيق الاستقرار المنشود.

تلقي الازمة السورية وانعكاساتها على الاردن ودول المنطقة والاقليم، بظلالها على زيارة الملك، وهي واحد من اهم الملفات التي ستكون بارزة في مجمل لقاءات جلالته مع المسؤولين الاميركيين والجمعيات والمؤسسات الاميركية المختلفة، ولا بد من التأكيد هنا، ان الموقف الاردني ينطلق من ضرورة ايجاد حل سياسي للازمة في سوريا ضمن إطار القانون الدولي، وبما يحافظ على وحدة سوريا وتماسك شعبها ويضع حدا للعنف وإراقة الدماء، وهو موقف معتدل وحكيم يعبر عنه جلالة الملك، انطلاقا من القناعة بأن لا بديل عن الحل السياسي، باعتباره السبيل الوحيد لحماية المنطقة عموما وحماية سوريا على وجه الخصوص من التقسيم.

لا شك ان تصدر الازمة السورية لاجندة الزيارة الملكية لاميركا، يأتي لكسر حالة الجمود الدولي في التعاطي مع استحقاقات هذه الازمة اضافة الى انعكاساتها التي اصابت الاردن، خاصة بعد التهديدات التي انطلقت من منظمات الامم المتحدة باعلان افلاسها وعدم قدرتها المادية على اسناد الجهد الاردني الانساني الكبير في موضوع اللاجئين السوريين للاردن، والذي تخطى كل الخطوط الحمراء في قدرته على استيعاب موجات اللجوء الانساني للسوريين واستضافة المملكة لأعداد متزايدة من اللاجئين السوريين بالرغم من شح وقلة الموارد والإمكانات، امام صمت العالم.

لا بديل عن الحل السياسي للازمة السورية لحماية سوريا من التقسيم، حيث يظهر ان مجموعة دول تقود تيارا معتدلا يدفع نحو تكريس الحل السياسي للازمة لحماية المنطقة ايضا ويفترض بالقيادة السورية الارتقاء بمسؤولياتها والتعاطي مع هذا الموقف بايجابية؛ فاستمرار الوضع الراهن سيؤدي إلى إحداث أزمات جديدة تنعكس بشكل سلبي على المنطقة والاقليم.

وحكما، لا يغيب الملف الفلسطيني عن اجندة الزيارة الملكية، الذي هو على الدوام في طليعة اولويات جلالة الملك، ليضع الادارة الاميركية والرأي العام الاميركي والدولي، امام مسؤولياتهم لتجاوز المخاطر وتجنب ما تثيره من مخاوف، عدم تحقيق السلام وفق حل الدولتين، ولذلك يحرص جلالته باستمرار على تفعيل الموقف الدولي عموما تجاه تحقيق السلام، على أساس حل الدولتين الذي يمثل الخيار الوحيد لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، لان حل القضية الفلسطينية لا يمكن فرضه بقوة طرف واحد، وإنما يكون من خلال الشراكة والثقة والذي يلبي الحاجة الحقيقية للأمن والعدالة.

جلالة الملك يسعى في لقاءاته مع الجمعيات والمؤسسات الاميركية لتشكيل رأي عام، حول القضية الفلسطينية بوجه عام والقدس وما تتعرض له من اعتداءات اسرائيلية، تستهدف تغيير معالم القدس وتهدد الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها، وهو أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عليه، ويتوجب العمل على دفع اسرائيل الى اعادة النظر في مواقفها، باتخاذ مواقف حاسمة، لوضع حد للتجاوزات الإسرائيلية، والانصياع لإرادة المجتمع الدولي، حتى لا تنزلق المنطقة، نحو حافة هاوية العنف، الذي لا يمكن أن يخدم استقرار وأمن أي من أطراف النزاع.

ولا شك ان الهم الاقتصادي الاردني سيكون هو الاخر، في اولويات اجندة زيارة الملك، فالاقتصاد الوطني يعاني الكثير من التحديات التي تستوجب حث الادارة الاميركية على تسريع تنفيذ الضمانات التي قدمتها للاردن، لان الوقت ليس في صالحنا اذا استمر الوضع الاقتصادي وما يواجه من اعباء كبيرة.

الملفات التي يحملها جلالته في هذه الزيارة، تتعلق بقضايا المنطقة ومشاكلها والوضع في الاقليم والتحديات والمخاطر الماثلة، ليضع الادارة الاميركية والرأي العام الاميركي والدولي امام مسؤولياتهم، وما تتطلبه كل هذه الملفات من جهود كبيرة لاحتواء تأثيراتها، بما يعكس نظرة جلالة الملك المتوازنة والمعتدلة لطبيعة الاوضاع في المنطقة، وما تنذر به من مضاعفات على الأمن والاستقرار والسلم الإقليمي.