قراءة في الربيع الأردني

الربيع الأردني يدخل عامه الثالث دون أن يكون هناك شيء قد تحقق أو أمر يلوح في الأفق، جمود في الإصلاح يعقد المشهد ويفتح جميع الاحتمالات على الربيع الأردني.
 
(1)
 
* الحراك: مكونات وأهداف
 
 سبق اندلاع الربيع الأردني مبادرة قدمها رئيس الدائرة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين حينها،  الدكتور رحيل غرايبة، تنادي بملكية دستورية على غرار أنموذج الملكية البريطانية كحل للازمة السياسية  التي  يعيشها الأردن في العهد الملكي الجديد، واجهت الدعوة حملة إعلامية شرسة كانت كفيلة بوأد  المبادرة قبل ميلادها.
 
 اندلع الربيع الأردني قبل سقوط الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي وهروبه إلى  منفاه، حيث بدأت شرارة الربيع الأردني من لواء ذيبان في مدينة مأدبا، جنوب غرب العاصمة الأردنية عمان، على صدى  احتجاجات لعمال "المياومة"، بعد أن تم فصلهم من عملهم.
 
كان لهبوب نسمات الربيع العربي أثر كبير في تحريك الشارع الأردني المكتوي بنيران الفساد وتدهور الأوضاع، تنادت القوى الإسلامية واليسارية والقومية للمطالبة بالإصلاح، وانضمت القوى العشائرية التي  عانت التهميش خلال السنوات الخمس الأخيرة.
 
أخذ الحراك يتشكل على وقع الربيع العربي، فظهرت خلال الأعوام الثلاثة عدة تجمعات ومكونات  احتجاجية تدور حول ثلاثة محاور ومرجعيات سياسية وروابط قبلية، التيار الإسلامي، جماعة الإخوان  المسلمين، التيارات القومية واليسارية، القوى العشائرية والمتقاعدين العسكريين، وقد وصل عدد الاحتجاجات إلى تسعة رئيسة وجيوب مختلفة بمطالب متباينة، والعدد في اتساع دائم.
 
 الفساد المالي والتهميش المناطقي والبؤس الاقتصادي وغلاء الأسعار وتآكل الدخل، كانت هذه أبرز الدوافع الحقيقية للربيع الأردني، ورغم وحدة الظروف والأسباب والدوافع لأنواع الحراك، إلا أن الاختلاف كان هو المعلم الرئيس لسقف الحراك وأهدافه، حيث لم تتوحد التجمعات الاحتجاجية على مطلب سياسي    وبرنامج واضح، حتى بلغ الاختلاف إلى حدَ التناقض والتنافر.
 
وفي الوقت الذي اتجه فيه الحراك  الإسلامي، بقيادة جماعة الإخوان المسلمين إلى سقف المطالبة بتعديلات دستورية، والذهاب إلى ملكية  دستورية، تعيد السلطات للشعب لتكون إرادته هي الحاكم الحقيقي  للبلد، وافقت التيارات القومية على القبول بالإصلاحات التي طرحها النظام، كالمحكمة الدستورية والتعديل على قانون الانتخابات النيابية بالنص على القائمة الوطنية النسبية المغلقة في قانون الانتخاب، والتي   شكلت 18% من إجمالي مقاعد مجلس النواب، وخاضوا غمار الانتخابات النيابية الأخيرة وخسروا.
 
على الطرف الآخر، كانت هناك مطالب أخرى للحراك العشائري، مرتبطة بالجوانب الخدمية ورفع الظلم والتهميش الذي تعرضت له تلك المناطق النائية.
 
وبعيدا عن ذلك كله، ذهب حراك المتقاعدين العسكريين إلى المطالبة بـ"دسترة" فك الارتباط: "سن  نصوص في الدستور تشرع فك الارتباط الصادر عام 1988 بين الأردن والضفة الغربية في فلسطين   المحتلة"، تخوفا من شبح الوطن البديل، إذ ينظر هؤلاء بقلق لموضوع  التجنيس، فهم على قناعة بأن  الملكة داخل القصر وزمرة من الساسة الذين جاءوا مع الملك الجديد، وخصوصا رئيس الديون  الملكي السابق، باسم عوض الله، يدفعون باتجاه التجنيس والوطن البديل، كأحد أهم عوامل استقرار الحكم  والحفاظ على العرش الهاشمي.
 
 (2)
 
* بين الإصلاح والإسقاط:
 
منذ انطلاق الربيع الأردني، أجمعت كل الاحتجاجات الشعبية على المطالبة بإصلاح النظام، والبعد عن  مفردات إسقاط النظام التي هتفت بها العواصم العربية المختلفة، وبقي الشارع محكوما بتصورات    المحرك الأساس للربيع الأردني، ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين، بصفتها القوة المعارضة لأكثر وزنا وتأثيرا في الشارع  الأردني.
 
وفي لقاء صاخب جمع أعضاء مجلس الشورى لجماعة الإخوان في منطقة العبدلي في عمان في نهاية  شهر نوفمبر الماضي -على وقع انفجار الشارع الأردني بعد قرار تحرير أسعار المشتقات النفطية من  قبل حكومة الدكتور عبد الله النسور، وخروج الهتافات عن السيطرة، حيث صاحت الحناجر بهتافات  إسقاط النظام فتفاجأ الجميع-،  أفضى إلى إعادة التصويت مرة أخرى على سقف الحركة في المطالب، فكان القرار بإجماع مجلس الشورى بالإصرار على تبني خط إصلاح النظام والبعد عن  المطالبة  بإسقاطه.
 
البعض رأى في قرار الشورى الإخواني ارتباطه بوقائع موضوعية، تفيد بأن الملك يمثل في هذه المرحلة    القاسم المشترك بين جميع مكونات الشعب، إذ إن هناك انقساما ديمغرافيا حادا في التركيبة السكانية، يقوم  على أساس إقليمي: "سكان شرقي النهر من أصول أردنية، وسكان غربي النهر من أصول فلسطينية"،   مدعوما بشحن إقليمي حاد، مارسته الأجهزة  الأمنية وبعض الفصائل الفلسطينية، كحركة فتح، على  مدار العقود الأربعة الماضية، بشكل سمم الأجواء وهيأ الفرصة لاشتعال حرب أهلية حال حدوث انفلات  أمني أو فراغ في السلطة، مع ما تركه المشهد السوري الكئيب من أثر في عقلية أصحاب القرار الإخواني إزاء سقف مطالب الربيع الأردني.
 
وعلى وقع قرار مجلس الشورى الإخواني، هدأت هتافات إسقاط النظام لتعود الطالب إلى مربعها الأول  في سقفها: إصلاح النظام، بما يدفع باتجاه معادلة: يملك ولا يحكم، وتنتقل السلطة بهذا إلى إرادة الشعب.
 
(3)
 
* مآلات الربيع الأردني:
 
ما يحكم مستقبل الربيع الأردني هو الخروج من الثنائية العقيمة المهيمنة على الساحة المحلية داخل  الأردن، وهذا ما حاول مهندس مبادرة "زمزم"، الدكتور رحيّل غرايبة، رئيس الدائرة السياسية السابق للحركة الإسلامية، تحقيقه، إذ سعى إلى إيجاد هيئة جامعة للاحتجاجات الإصلاحية، تقود الربيع الأردني بطريقة مختلفة، وتتجاوز مربع الثنائية: "النظام، الإخوان".
 
لكن استطاع المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان في الأردن محاصرة تلك المبادرة وخنقها مبكرا وعزلها عن القواعد الإخوانية، لأسباب تتعلق ببعض الصراعات  الداخلية في الجسم الإخواني، مما يجعل الاحتمالات تنحصر فيما يلي:
 
• استمرار الحراك بالطريقة القائمة حاليا "مظاهرات أقل من متوسطة الحجم أسبوعيا"، مع تمسك النظام  بموقفه الرافض لأي خطوة أخرى باتجاه الإصلاح، إذ يعتبر ما قدمه حاليا ووفق  الظروف  القائمة هو  كل ما يمكن تقديمه، يقابله تمسك الحركة الإسلامية بإصلاح النظام وإعادة السلطة للشعب، الأمر الذي قد يبقي الحال على ما هو عليه حتى وضوح المشهد في الجارة الشمالية سوريا، عندها يعيد كل من  طرفي المعادلة في الأردن حساباته بناء على الواقع  الجديد الذي سيتشكل.
 
• جلوس طرفي المعادلة على طاولة الحوار والخروج ببرنامج زمني للإصلاح، والاتفاق على سقف محدد  تقف عنده المعارضة، قد يبدو هذا الخيار مستبعدا بعد تصريحات العاهل الأردني لمجلة "اتلانتيك" الأمريكية ومواقفه المعادية للإخوان.
 
لكن يمكن إحياؤه مجددا بدخول التيار المعتدل الأكثر براغماتية وحنكة سياسية في جماعة الإخوان المسلمين إلى المكتب التنفيذي خلال الأسابيع القادمة، مع وجود  قناعة لدى صانع القرار بأن الإخوان والاحتجاجات الإصلاحية ومطالبها لا يمكن عزلها في ظل هذا  المناخ الملتهب والوضع المقلق الذي يمر به الجوار  الأردني.
 
• الذهاب إلى مزيد من العدائية للإخوان والتجمعات الاحتجاجية الأخرى ومحاربتهم، وتهور بعض الأطراف الأمنية في استخدام البلطجة المستفزة، قد يدفع أصحاب القرار الاخواني والمطالب الإصلاحية الأخرى للذهاب إلى المطالبة بإسقاط النظام بعد اليأس من إصلاحه، عندها تُفتح جميع الاحتمالات على  مستقبل الأردن الجديد، إذ لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه تطورات الأوضاع، إلا بعد التعرف على ردة فعل النظام وتركيبته العقلية والعسكرية في مثل هذا الظرف، والتعرف على موقف الجيش الأردني  وعقيدته العسكرية.
 
البعض يرى أن الملك لا يمكن أن يكون بشار الأسد في ردة فعله، لظروف محلية ودولية، وأن عقيدة  الجيش الأردني ذات السمت الوطني تمنعه من الانحدار إلى هاوية الجيش السوري، مما يجعل الأنموذج المصري خيارا ممكن التحقق.
 
كل الخيارات مفتوحة أمام الربيع الأردني، وكل ما يرجوه أبناء الأردن، هو الذهاب بالبلد إلى إصلاح حقيقي، ينهي حالة العبثية التي يعيشها الأردن في الحكم.
 
بقلم: محمد  العودات