عن الربيع الأردني

 

يجمع كل المراقبين السياسيين على أن الربيع الأردني سبق الربيع العربي وكان هذا الربيع ربيعا حضاريا تقدميا فكريا تميز بإصلاحات جذرية قلبت الحياة السياسية رأسا على عقب وكان جلالة الملك عبدالله الثاني هو المبادر الأول في عملية الإصلاح السياسي فلم يبق للمطالبين بالإصلاح ما يطالبون به بشكل أساسي فقد عدل ثلث الدستور تقريبا وأفرزت هذه التعديلات مؤسسات دستورية ناظمة للحياة السياسية في الأردن وهي المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخابات وقانون الأحزاب وقانون الانتخاب وإذا كانت الحراكات الشعبية في المدن الأردنية رفعت مطالب جديدة فهذه المطالب هي المزيد من الإصلاحات.

الربيع الأردني كان كما قلنا ربيعا حضاريا أخضر بكل المقاييس فلم يكن هذا الربيع ربيعا دمويا وقد رأى العالم أجمع كيف كانت قوات الأمن تسير جنبا إلى جنب مع المتظاهرين وتقدم لهم الماء والعصائر وهذا ما لم يحدث في أي بلد في العالم.

لقد طرح جلالة الملك عبدالله الثاني رؤيته للإصلاح في أوراق نقاشية نشرها في الصحف الأردنية وقد تكون هذه الأوراق هي الأولى من نوعها في العالم العربي فلم نرى أي زعيم عربي يطرح أفكارا على شعبه مشبعة بالرغبة في أن يكون المجتمع متماسكا متراصا لا يخوّن أحد أحدا فيه ويقبل الجميع الرأي الآخر وأن تكون لغة الحوار هي اللغة التي يجب أن تسود بين الجميع خصوصا الذين يحملون أفكارا تصب في خانة المعارضة.

في الورقة الأولى طرح جلالة الملك أربعة مبادىء لبناء نظامنا الديمقراطي وهذه المبادىء هي احترام الرأي الآخر وهذا المبدأ هو أساس المشاركة بين الجميع مهما كانت الأفكار التي يحملونها.

وفي المبدأ الثاني يحدد الملك المعنى الحقيقي للمواطنة فالمواطنة الحقيقية لا تكتمل إلا بالمساءلة وهذا يعني أن المواطن يجب أن يتحمل المسؤولية كاملة عن جميع ما يقوم به من أفعال ويكون مسؤولا أمام مجتمعه وأمام وطنه.

ويقول جلالته في المبدأ الثالث بأننا قد نختلف لكننا لا نفترق لأن الحوار والتوافق واجب وطني وهنا تكمن أهمية أن نقبل الرأي الآخر ونجلس إلى الطاولة ليطرح كلٌ منا أفكاره لنتناقش ونتحاور حتى نصل إلى قواسم مشتركة يكون الوطن هو المستفيد الأول والأخير منها لأننا جميعا شركاء في التضحيات والمكاسب كما يقول جلالته في المبدأ الرابع.

أما في الورقة النقاشية الثانية فقد طرح جلالة الملك خريطة طريق جديدة للمرحلة القادمة وقال: بأنه سيتخلى عن بعض صلاحياته الخاصة بتشكيل الحكومات وأن أي شخصية تكلف بتشكيل الحكومة سيتم التشاور مع مجلس النواب قبل اختيارها كما أن الشخصية التي يتفق عليها الجميع ستجري مشاورات مع جميع الكتل البرلمانية من أجل تشكيل الحكومة ويجب أن تنال هذه الحكومة ثقة مجلس النواب وتحافظ على هذه الثقة طيلة وجودها في الحكم.

ويطرح جلالة الملك من خلال ورقته النقاشية الثالثة مبادىء أساسية من أهمها ضرورة صيانة القيم والوحدة الوطنية والانفتاح والتسامح والتعددية والاعتدال وأنه سيكون خصما لكل من يعبث بأمن الوطن واستقراره ونسيجه الوطني وأن تطوير الحياة السياسية كان مدخله إجراء الانتخابات النيابية التي جرت بمنتهى النزاهة وأن النائب الحقيقي هو النائب الذي يعمل لمصلحة الوطن وليس لمصلحته الشخصية وأن تجربة توزير النواب يمكن أن تكون في مرحلة لاحقة ولكن ليس الآن.