حمزة منصور يكتب ..لا تفسدوا علينا المشهد الحضاري
المسيرات التي شهدتها عدة محافظات يوم الجمعة الماضي مسيرات حضارية بامتياز، فهي مسيرات سلمية كسائر المسيرات التي شهدها الوطن على مدى العامين الماضيين، وهي مسيرات حاشدة ضمّت طيفاً واسعاً من شرائح الشعب الأردني، وتصرُّف رجال الأمن حيالها كان حضارياً كذلك، خلافاً لما شهدته الجمعة التي سبقتها، والتي كان التصرف فيها نقطة سوداء في صفحة هذا الوطن، ونحن بانتظار نتائج التحقيق لمحاسبة من آذى مواطنينا، وألحق الضرر بصورة بلدنا.
وقد أشاد المتحدثون في أعقاب مسيرة الجمعة الأخيرة بجهود رجال الأمن ودورهم في إنجاح هذه المسيرات. ولكن بعض الإعلاميين والسياسيين والفاشلين ساءهم هذا النجاح، وهذا المشهد الحضاري، وهو مشهد للوطن وليس لشريحة منه، لأنهم كانوا يراهنون على توقف الحراك الشعبي، فتصدّرت صحفهم، ومواقعهم الإلكترونية، وشاشات قنواتهم الفضائية، عناوين مثيرة، مثل استعراض عسكري إخواني في مسيرة عمان، ومسيرة استعراضية لشباب الحركة الإسلامية، وراحوا يتحدثون عن مليشيات وتنظيم عسكري، إلى غير ذلك من المصطلحات، التي هي من نسج خيالهم.
وقد حملت هذه التقارير والمقالات الصحفية الموجّهة إدانة لهذه المسيرات، وتشكيكاً في نوايا المشاركين فيها، بما يشبه التحريض على الحركة الإسلامية. وهو أمر مدان، يتحمّل مسؤولية ما يترتّب عليه مَن يستغلون ظهور بعض الحماسة لدى نفر من الشباب، فيفسّرون الأمور على غير حقيقتها، ويشككون في نوايا الناس ودوافعهم، ويقدّمون رسائل سلبية للداخل والخارج.
وإذا كان هناك من يجهل حقيقة الحركة الإسلامية وأهدافها ودوافعها، أو من يتجاهل كل ذلك لحاجة في نفس يعقوب، فإنّنا نؤكد أنّ الحركة الإسلامية كتاب مفتوح، وصوت حق وعقل ورشد في هذا الوطن، لا تستقوي على الوطن، ولا تمارس سياسة ردود الأفعال، وتتمسك بسلمية حراكها، وإن تعرّضت إلى الظلم على يد من يؤمل منهم حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، أو المرتبطين بهم، ممّن يمارسون الإفساد في الأرض، فيفقؤون العيون، ويكسرون العظام، ويحرقون المقار الحزبية والخيرية، ويعتدون على ممتلكات بعض الناشطين، متظاهرين بالولاء والانتماء، متجاهلين أنّهم بأعمالهم هذه يسيئون إلى الوطن وإلى النظام، ويعرّضون أنفسهم لسخط الله، وازدراء الناس.
إنّ الحراك الشعبي مؤشر على حيوية الشعب الأردني ووعيه، وهو منطلق من الشعور بخطورة الأوضاع التي يعيشها الوطن، والتي عبّر عنها الأردنيون عبر أكثر من استطلاع للرأي في الأسبوعين الأخيرين، حيث أكّدت أغلبية المستطلعة آراؤهم أنّ الأمور لا تسير بالاتجاه الصحيح.
والذين يراهنون على وقف الحراك أو توقّفه قبل أن يحقق أهدافه في إصلاح حقيقي وشامل يليق بالشعب الأردني، ويضع حداً للفساد والاستبداد، ويصل بالأردن إلى مجتمع شوري ديمقراطي، السلطة فيه للشعب، والحرية والكرامة فيه مصونتان، والحكومة صاحبة الولاية، والعدل فيه سائد، والفساد فيه مدحور مطارد، الذين يراهنون على اختفاء الحراك السلمي الحضاري قبل بلوغ هذه الأهداف لا يفهمون طبيعة هذا الشعب، ولا يعبؤون بمصالحه، فلتتوقف كل الأصوات النشاز التي تريد أن تفسد علينا هذا المشهد الحضاري.