انزلاق مسيرة الإخوان

 

لا أعتقد أننا في الأردن يمكن أن نقبل أن تشكل حكومات وجيوش غير الحكومة الدستورية والجيش المصطفوي، حتى يحاول بعض التيارات استعراض لغة التهديد بشباب في ريعان شبابهم يسخرونهم لمطامعهم وغاياتهم السياسية، بعيدا عن أية محاولة لتأمين مستقبلهم وتحقيق آمال آبائهم وأمهاتهم، في الوقت الذي يملك الإخوان المقومات المادية لذلك . فلا دولة داخل دولة ، ولا جيشا على أكتاف جيش.
لن نقبل كمواطنين أردنيين ومراقبين وطنيين، " وأيدينا على قلوبنا ما يُجرى وسيُجرى" أن تحاول فئات وجماعات إشغال المؤسسات الأمنية والدولة عن واجبها الأساسي في التدقيق بكل شاردة وواردة يمكن أن تمس أمننا واستقرارنا، والتمحيص المستمر في قراءة الخارطة الإقليمية والعناوين الدولية لتقويم الوضع والاستعداد لكل طارئ .
لا أعتقد أن الظرف الحالي يسمح باللعب بالنار، أو محاولة تشتيت جَهد وفكر أجهزتنا الأمنية والسياسية كاملة نحو ألاعيب لا علاقة لها بالديمقراطية، ولا بالعمل السياسي البحت، بل استفزاز يُقصد منه إثبات الوجود، والتغطية على النزاع الداخلي المشتعل في أروقة الإخوان، هذا إضافة إلى حالة التحلل التي بدأت تظهر بسبب إصرار الإخوان الجدد على مسيرة يعتبرها العقلاء منهم أنها انتحارية ومؤدية إلى الجحيم . فالإخوان الجدد لم يستوعبوا حتى الآن أن هذه السلوكات يمكن أن تشوش على الواقع السياسي، لكنها لا يمكن أن تخلط الأوراق الداخلية التي لا بد وأن تكون مصفوفة ومتاضدة وجاهزة لأي طارئ يمكن أن يحدث وسط اللعبة الإقليمية والدولية المشاهده .
لا أعتقد أن الإخوان الذين كنا نعتبرهم الأذكى والأكثر توازنا وحكمة يتهاوون إلى مثل هذه الدرجة باستخدام هذا الأسلوب الذي يعكس ضعفا وتمزقا وسطحية، خاصة أنه يمثل تحديا كبيرا ليس لهيبة الدولة وأجهزتها، بل لمشاعر المواطنين كافة، في وقت يراقب الناس فيه الأوضاع ويتماسكون لمواجهة موجة التحدي الاقتصادي والاجتماعي والاقليمي، ليخرج علينا الإخوان باستعراض قوى من الشباب المساكين الذين تستغل حاجاتهم، وتخدع تطلعاتهم.
الإخوان يفقدون بوصلة مركبتهم يوما بعد يوم، ولا أعتقد أن شيوخ الإخوان " العتقيه" راضين عن هذا الأسلوب الذي يشطح به الإخوان الجدد، الذين يعتقدون أن استعراض العضلات والقفز فوق الواقع يمكن أن يصرفان الناس والمراقبين والسياسيين عن فشلهم في الإدارة ، ليكونوا الحزب الأكثر تأثيرا وفاعلية وحصادا في المشهد السياسي الأردني.
معالجة جراح الإخوان الداخلية يجب أن لا تكون بأسلوب الاستفزاز، ولا التشبه بما يمارسه حزب الله في لبنان، وليس بأسلوب التعالي على الدولة وهيبتها. فالحزب والتيار السياسي معني بالفكر والثقافة السياسية وإقناع الناس من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، في صحة الرأي والتوجه وبآلية صواب المسيرة ، فالوقوف على ظهر الجبل بعيدا عن الناس ، والاكتفاء بالاشارات ورفض النزول أو المشاركة بحجة عدم تعبيد الطريق، إنما هي مبررات اكتشف الناس ضعفها وبطلان فاعليتها ، لأن الأساس أن أكون عضوا من صانعي القرار، مصححا إذا كانت رؤياي تصحيحية، وأمنع أية مخالفات تشريعية أو سلوكية حكومية، وأسعى مع الخيّرين الأردنيين في المجلس لصنع قرار وخطاب يليق بطموحات أبناء هذا الوطن، ويتماشى مع المصلحة العليا للوطن الأردني، والأمة العربية.
كلنا شجبنا ورفضنا بقوة ممارسات بعض رجال الدرك في مسيرة الجمعة قبل الماضي، وبالوقت نفسه رفضنا أن يصاب أحد بأي مكروه، وحذّرنا من أن ننزلق غلى مطامع الكثيرين، بالوصول بهذا البلد إلى مستوى المواجهات، وكنا ضد أية هراوة رجل درك تمس أي مواطن في هذا البلد، حتى جاءت المسيرة الثانية في إربد، وكان صوت العقل هو العنوان رغم السقوف التي أصبح فيها الفتية يتفاخرون أنهم يردّدونها رغم أنها لا تنسجم مع أخلاق الأردنيين ولا حتى حق التعبير.
ليس من المنطق أن يستمر عقلاء الإخوان بالسكوت والصمت، على هذه التجاوزات، والزج بهذه الحركة التي ما زلنا نقول إنها من المكونات المهمة بل والمهمة جدا في تكوينة المركب السياسي الأردني ، ولكن إلى متى ستستمر هذه الفزاعات ونحن نبحلق ليل نهار، عين على بوابتنا الشرقية والأخرى على الشمالية، وأهلنا في فلسطين يقتلون ويذبحون، وملايين البشر طاف بهم الصبر والتحمل حتى لوكانوا يعيشون انصارا مع الرسول "صلى الله عليه وسلم " نفسه .