اسمر يا حبــيــــبــي ...!

صالح ابراهيم القلاب
يحكى انه ايام حكم (تركيا ) كان هناك قريتين متجاورتين وحسب ما جرت عليه العادة انذاك كانت تلك القرى تعاني من ازمات الخلافات اليومية حيث كانت تلك الخلافات تشكل سمة من سماة الحياة الريفية في تلك الايام ... ازمات ومعارك جانبية ... مماحكات كلامية لاسباب قد تكون بسيطة او معقدة ... فالامر سيان
اي ملاسنات كلامية حول قيام (بغلة ) ابي العبد بهدم جزء من (سنسلة ) ابي مهاوش ... او ان تكون( بقرات ) ابو تيسير قد نفشت في حقل ابي خالد او ان يقوم المختار (كبير القوم) بتغيير الحد الذي كان عبارة عن (دبشة) بين ارضه وارض ابي خالد ... كان من الطبيعي ان تتحول تلك الملاسنات احياناً الى معارك جانبية تستخدم فيها الايدي (والقناوي) .... واحيانا (الدموس ) وعادة ما تكون الخسائر سواء المادية او البشرية بسيطة كأن يصاب ابن ابي تيسير (بفشخة) في مقدمة الراس او ان يتم كسر احد قرني كبش ابي خالد اوان تصاب بغلة ابي العبد بعدة هوايا على جنبها الايمن ... وعند حلول مساء ذلك اليوم يصطلح القوم على طبخة رشوف او فتة عدس واذا طبشوها يقوم المختار بنحر ذبيحة (ليتزفر) الصبية الذين انهكتهم ايام العمل في الحراث او الحصيدة او رعي الغنم والبقر... وتنتهي المشكلة كزوبعة في فنجان
ما اجمل ان نعرف نحن ابناء هذه الايام ذلك ... نحن من نعاني من اعراض واثار اعمال العنف بين ذوي القربى على اتفه الاسباب تتحول الى معارك بالاسلحة النارية ولا تنتهي الا بافدح الخسائر البشرية والمادية و (بجلوات عشائرية ) لا ينجوا منها لا سعدٌ ولا سُعيد
ما اجمل ان يعرف المتعلمون والمثقفون من ابناء هذا الوطن الغالي كيف يتم حل المشاكل عن طريق الحوار والنقاش لا عن طريق سفك الدماء وتدمير الممتلكات ... ما اجمل ان يسعى المسؤولون كل في موقعه سواء نواب او وزراء الى اطفاء النار لا القاء المزيد من الحطب عليها ... ما اجمل ان يتسع صدر الحكومة لتفهم مطالب الشعب المشروعة ... لا ان تضع في احدى اذنيها طيناً وفي الاخرى عجيناُ فيغدوا الحوار معها كحوار الطرشان او يكون حالها كحال من قال : لا اريكم الا ما ارى ... ولا اهديكم الا الى سبيل الرشاد!
نعود - والعود احمد- لموضوع القريتين ... حيث حكي ان اهل احدى القريتين اعتادوا على لمز ونبز اهل القرية الاخرى بعبارة كانت تعتبر مستفزة ومغضبة لهم ويقال ان هذه العبارة كانت (اسمر يا حبيبـــي ) عند توجيهها لاحد افراد القرية تثور الثائرة وتقع الطامة الكبرى وتقوم (القرعى) على ام قرون ! الى ان وصل الامر الى حاكم الترك تلك الايام فقام باستدعاء علية القوم من كلا القريتين ولما وصلهم الطلب والامر من صاحب الامر امتثلوا سمعاً وطاعة واختاروا من كل من القريتين رجلاّ عطيماّ وهو المختار بطبيعة الحال
وصل المخاتيرُ الى حيث مقر حاكم الترك وبعد اخذ ورد فهم الحاكم ان اهل القرية (الملموزة ) تغضبهم تلك العبارة المستفزة ... اسمر يا حبيبي .... وان الطرف الاخر يصر على ترديدها على مسامعهم ... فاصدر امره النافذ وحكمه الوجاهي بمعاقبة كل من يردد عبارة (اسمر يا حبيبي ) بدفع دينار (عصملي) ... فما كان من مختار القرية (اللامزة ) الا ان قال : وهل هناك من عقوبة اخرى يا سيدي ؟... فاجابه الحاكم بان تلك العقوبة تكفي ... فاستل كيس نقوده المملوء دنانير عصملية من تحت ابطه متوجها الى المختار الجالس امامه واخذ يلقي بالدنانير بين يديه ومع صوت رنة كل دينار كان (يبحلط عيونه) ويقول : اسمر يا حبيبي .... اسمر يا حبيبي .... اسمر يا حبيبي
الى متى يبقى هذا الشعب ينظر متحسراً الى من (يبحلطون) عيونهم المتورمة لا يردعهم رادعٌ ... ناعقين غي مبالين ولا متخذين ساتراً : اسمر يا حبيبي ... اسمر يا حبيبي ... اسمر يا حبيبي ...