ميليشيا عسكرية في عمان !
لا أحد مع الاعتداء على اي ناشط سياسي أو مسيرة،وقد شهدنا اكثر من اثنتي عشرة الف مسيرة في الاردن،خلال عامين ونصف مرّ أغلبها على خير،في بلد يعرف فيه الجميع بعضهم البعض،ويخضعون لمعايير اجتماعية وقانونية وسياسية.
يقال هذا الكلام حتى نؤكد مسبقاً ان احداث اربد لم تُرض احداً،حتى لانبقى ندور في دائرة مفرغة من المزاودات،فيما الرد الذي رأيناه امس في وسط البلد،اكثر سوءاً الف مرة من ذات احداث اربد،والرسالة عبر وسط البلد،تحمل التهديد بالفوضى الدموية.
الاستعراض العسكري لشباب الحركة الاسلامية،خطير جداً،فقد كنا نتحدث عن حزب سياسي،يريد الاصلاح،ويتبنى معايير دستورية وقانونية تحكم الحياة،واذ بذات الحركة عند اول ازمة او شعور بالاستياء او الظلم او الاهانة،تلجأ الى وسيلة عنوانها العنف والقتل.
وسيلة فيها تهديد لسلامة الناس والبلد واستقرارهما،وتتخلى فيها ايضا عن مدنية الحركة وشروط ترخيصها،وتقدم نفسها باعتبارها جماعة عسكرية حظي افرادها بتدريبات عسكرية،سراً،وهذه التدريبات من المؤكد انها لم تقف عند حدود المشي على شكل طابور.
اين عقلاء الحركة الاسلامية وتلك الرموز العاقلة الكبيرة التي منعت انزلاق الحركة الى هذا المستوى،من تهديد البلد والناس؟والحركة التي لعبت دورا ايجابيا في حماية البلد من اخطار تنظيمات يسارية عسكرية سابقا،تنقلب اليوم وتمارس ذات السلوك الذي وقفت ضده سابقا،فما اعجب هذه المفارقة؟!.
اذا تم الاعتداء على اي اسلامي فهذا مرفوض ومهين لنا ولانقبله ابداً،وهذا موقف كثيرين على خلفية احداث اربد،غير ان هذه ليست ذريعة مقبولة للاعلان عن تحول الحركة الاسلامية من جماعة سياسية مدنية الى ميليشيا عسكرية.
هذه فتن تتساقط علينا،فوق مافينا من اخطار واختلالات،وفوق وضعنا الاقتصادي السيىء،وفوق اخطارالحرب الاقليمية المحتملة،وفوق هجرات الملايين من دول الجوار،وكأنه ينقصنا هذا المشهد الذي يشي بإطلالة فتنة دموية داخلية.
مشهد الاستعراض العسكري مشهد انتحاري،لاننا قد نشهد ايضا بعض ابناء البلد يحملون سلاحهم ويخرجون في طابور آخر ضد طابور الاسلاميين من باب رد الفعل،وقد يطلقون النار،وهذا يؤكد ان من سمح بمشهد البارحة يريد اخذ البلد الى نقطة تفجير محددة ومرسومة، يتم البحث عنها بكل الوسائل هذه الايام.
اذ ندافع عن حق الاسلاميين في العمل السياسي وصيانة كرامة افرادهم من كل اهانة جسدية او لفظية،وصيانة مقراتهم وحقوقهم،فإن خرق هذه الحقوق،لايسمح لهم في المقابل بإعلان انقلاب الحركة من مدنية الى عسكرية،والتهديد بهذه الطريقة،وهي طريقة لاتختلف عما قد يفعله اي خارج على القانون،من كل الاتجاهات.
تركيبة الاردن الداخلية حساسة الى الدرجة التي لن تسمح للاسلاميين بامتطاء صهوة البلد،ولان الحسبة هكذا فإن عليهم ان يخافوا الله فينا،دون ان ننكر مظلمتهم في بعض القصص،وهي مظالم لاتسمح لهم ابدا بتهديد الناس بفتنة دموية تحت عنوان الدفاع عن النفس في وجه البلطجية والامن والدرك!.
خط التصعيد بدأ يرتفع لان هناك من يظن داخل الحركة الاسلامية ان سقوط النظام السوري بات وشيكا،ولابد من التسخين في الاردن باعتباره ساحة ولالحاقه بالدول الذبيحة،ولايمكن ان نقرأ التصعيد الا من هذه الزاوية،ولايمكن ان نصدق التصعيد المفاجئ بعد غياب وهدوء الا من زاوية الملف الاقليمي،لا من زاوية الاحداث التي جرت في اربد.
اذا كانت الحركة الاسلامية تشعر بأنها تتعرض لاساءات واهانات واعتداءات فإن من حقها ان توقف كل هذه الاشكال عبر وسائل سلمية ومدنية،لا ان تستمد الرد من ذات الوسائل التي تدينها،وهي بهذه الطريقة تسقط في تناقض كبير.
كل هذا يأتي ونحن على مشارف حرب اقليمية لاتبقي ولاتذر!.