الملكية الدستورية.. أي أشكالها شئتم
حين طرحت لأول مرة في صفوف الاصلاحيين والحركة الاسلامية، لم يكن الخلاف على مضامينها وإنما كان على توقيت طرحها، وخلاصة المطالب السبعة التي ينادي بها الاصلاحيون والحركة الاسلامية هي في حقيقتها شكل من اشكال الملكية الدستورية المخففة، ولكنها تجنبت استخدام الاسم بسبب اللغط الذي رافق طرحها اول مرة، ولأن الناس كانوا يظنون أن إصلاحا ما قد يكون على الطريق، ولا يريدون وضع العراقيل أمامه، أما وقد تبين الخيط الاسود من الخيط الاسود من الاصلاح الحكومي، فلم يعد هناك مبرر للتخوفات، وليس هناك مبرر ايضا بعد ان تجاوزت مطالب البعض سقوف الملكية الدستورية المثقّلة، وأصبحت الملكية الدستورية كمطلب للاصلاحيين مطلبا معقولا جدا، خاصة بعد أن اشار الملك الى أنها ستكون محطة الاصلاح في النهاية، وإن كنا نختلف معه في تقدير المدة الزمنية التي تحتاجها مسيرة الاصلاح لتحط رحالها في نهاية مطافها.
الحياة الحزبية في الاردن لم تصل الى شكلها الذي يؤهلها لتداول السلطة بناء على برامج محددة، ولكن السبب في ذلك لم يكن عجز الشعب عن اجتراح هذه الحالة، وانما بسبب العقلية العرفية التي تم التعامل بها مع الاحزاب، ومحاولة شيطنتها ومحاصرتها وتهميشها، ثم يأتي من يحمل الاحزاب مسؤولية ذلك، يقتلون القتيل ويمشون في جنازته! المطلوب الآن ان يعاد للاحزاب اعتبارها، وأن يتم تشجيعها، وأن تتبنى الدولة بكل مؤسساتها السياسية والاعلامية إحياء الحياة السياسية والحزبية، من خلال برامج محددة ومدروسة ومتبناة؛ لإزالة الرواسب التي علقت في أذهان الناس عن الحياة الحزبية، وأنها ليست بالضرورة شراً محضاً كما صوروها، وان تكف الاجهزة الامنية عن ملاحقتها وتشويهها، ويمكن أن تتحول حالة الولاء العشائري الى برامج وطنية ايضا من خلال ابنائها المثقفين الذين يحملون اعلى الدرجات العلمية؛ مما يخفف من سلبياتها، وجعل مفهوم الولاء والانتماء اوسع من العشيرة، بل للوطن بمجمله، فما عادت الولاءات التقليدية للجهة والفئة والعشيرة تستطيع الصمود أمام التحديات الكبرى التي تواجه الوطن، فلا بد من تطويرها وتوجيهها واعادة بنائها على اسس وطنية جامعة، في عالم تقوده تكتلات بشرية متنوعة الاجناس والاعراق والمنابت، وأمامنا تجارب الولايات المتحدة ودولة الكيان الصهيوني والاتحاد الاوروبي وغيرها من التجارب الانسانية التي يجب ان نستفيد منها، إن كنا نصر على تجاوز تجربتنا التاريخية الاسلامية التي وضعتنا يوما في مقدمة الدنيا، يوم ان كنا امة واحدة لا تقيم وزنا الا للتقوى والبذل والانتماء للفكرة والهوية الجامعة، وليس للانتماءات الفرعية الصغيرة التي تفتت المجتمع وتقوض اسباب النهوض.
الديمقراطية ليست فقط احزاباً وقوانين انتخاب، إنها الحرية اولا، والحرية المسؤولة التي تجعل من الشعب رقيبا على اداء مكوناته السياسية، وهي لا تعني الفوضى والانفلات، بل هي قمة الالتزام والشعور بثقل الامانة، حين تسود في المجتمع قيم النظافة والعدالة والكرامة الانسانية، وهي ثقافة لم يتم تبنيها حتى اللحظة بالجدية المطلوبة، ولم تعط حقها من الاهتمام في المناهج والمؤسسات التعليمية، والمسألة لا تحتاج الى مدة طويلة، عقد واحد من الزمن يكفي لتحول ديمقراطي حقيقي، إن تم تبنيه من خلال المؤسسات التربوية والتعليمية في كل مراحلها، إن كان هناك نية صادقة وحقيقية نحو هذا التغيير المطلوب انسانيا ووطنيا ودينيا وبكل المعايير.
إن أردتم الحفاظ على الوطن ورفع سويته وقدرته على مواجهة التحديات، فالطريق الى ذلك واضح لا لبس فيه، نحتاج الى حوار وطني، ومصالحة اجتماعية، ودستور توافقي، وملكية دستورية بأي شكل من الاشكال التي تطبق فيها في الدول الديمقراطية، وهذا يحتاج الى ارادة جادة وصادقة وقيادات وطنية استثنائية، وهي موجودة ولكنها تحجم عن التصدي لهذه المسؤولية الضخمة؛ لأننا ما نزال خائفين من الغول الذي يهجم فجأة وبدون مقدمات ليغتال أحلامنا ورؤانا، ولكن الى متى؟
لكل زمان دولة ورجال، وإن كنا نستحق هذا الفضل والخير فسيقيض الله له من يتبناه ويحمله ويجعله حقيقة واقعة، مهما كان ثمن ذلك.