كَمْ هَذَا صَعْب

كَمْ هَذَا صَعْب 

عندما يتعلق الأمر باختيار أحد طرق الحياة، فإنّ الأمر يبدوا صعبا للغاية، قد يبدوا في فترات أمرا مستحيلا، و يرجع السبب إلى الكثير من الأسباب. 
فعلى مائدة الأكل، و أمام الكثير من الأنواع، و لنفرض أنها أنواع فواكه، أحيانا! بل غالبا نجد صعوبة في اختيار أحدها، بل و يذهب الأمر في لحظات أكثر ضعفا إلى الامتناع عن الأكل، و تجاوز الإحراج إلى إحراج أكثر منه.... بقليل. 
و أمام واجهة المحلات، نحتار أمام الملابس و المقتنيات، فلا لون يثيرنــــا إلا و يثيرنا غيره أيضا، فأيّ منهما يكون وقع اختيارنا له؟ و بأيّ معيار؟ فالحالات تختلف، و الزمان لا يتوقف، و علينا أن نتخذ القرار. 
حتى لما نبلغ سن الرشد، علينا أن نختار، بين الواقع الذي يبدوا مظلما في أعيننا البريئة، و بين ما تعلمناه منذ خروجنا الأوّل، و ما بين أن نكون نحن، فقط نحن بلا منازع، و لكن لا مجال للتأجيل، و علينا أن نحسم في هذا، علينا أن نختار. 
قد يبدوا الأمر بسيطا، فالواجب في كلّ هذا أن نشير إلى أحد الاتجاهات، و بآلية غير متحكم بها، نرفض كل الباقي، لكن متى نشير؟ و ما الذي سيحدد اتجاه إشارتنا؟ 

".... إن المجتمع الغربي قد مارس من بين فنونه، فن التصوير، و تصوير المرأة العارية بخاصة بسبب الدافع الجمالي، بينما لا نرى الفن الإسلامي قد خلف آثارا في التصوير كذلك الذي نشاهده في متاحف الحضارة الغربية، لأن الرادع الأخلاقي في المجتمع الإسلامي لا يطلق العنان للفنان أن يعبّر عن كل ألوان الجمال و على الخصوص المرأة العارية........ " 
مالكـ بن نبي 

و الأخطر في هذا هو ذاك التردد، و الذي يسيطر على مفاصل الإنسان، فيضيّع وقتا طويلا و ثمينا، و هو واقف على مفترق الطرق، تلك التي لا تجعل من الفرد قائدا لنفسه، و إنما يتحوّل إلى محرّك، ببنزين العشوائية، و مقود الغرور، فلا يمكنه توجيه أفكاره السامة إلى أيّ اتجاه يشاء. 
قطرات من الماء تنساب على وجه النسر الكبير، و تجعل من قدراته أرضية تؤرخ لعهد جديد، فتنساب الأقدار بين صفحات المذكرات، و يتيه الطموح لينشئ عصبا غريبا عن مجال الموضوع، ذاك الذي يتخذ من مسؤولية العيش سببا لاختيار الاختيار، و على هذا تبدأ كل القصص مرتدية حجاب المسلمات، و هي ترقص على أنغام موسيقى الخمّارات. لكنّ النسر لم يحدد من يكون، و لا أين يتجه، و لا أن يطير أم يسير. 
ففلسفة تقارع الأهواء بلا سند من الأرجاء، هي أبلغ صور الإعفاء من الجلاء، و هي التي تراود كلّ إنسان يسبح في هذا الفضاء، إنها من تفسيرات القضاء. 
فلا يمكن أن تكون الحكمة نصيب كلّ البشر، فهي ملكية خاصة بالإنسان، لا يدخلها سوى من حدد اختياره بشكل صارم، و هو الذي جعل من أهدافه كل ما يستند إلى القوة، الأخلاق و الراحة الجمالية. لأنّ الحياة ما هي سوى مسرحية، عنوانها الجمال، و ممثلوها أفرادا من الإنسان، و مغزاها أن يكون الفرد هو جزء من عجينة تُطهى جيّدا، و تُؤكل ساخنة، حتى تسدّ رمق أحد الآلهة. 
هناك فرق شاسع بين الفرد الذي يفكر ليعمل، و آخر يفكّر ليقول، كما أنّ هناك مساحة كبيرة بين من يقرأ ليجني شهادة كاذبة، و بين من يدرس ليرسم أسلوب حياة، فالحضارات إن لم تخرج من أروقة الجامعات، فلن تخرج من الحمّامات، و من محلات الحلاّقات. 

".... لماذا المعرفة أو الفكر له سلطة شيخوخية، و كأنّ الحكمة لا تصدر من أفواه الصغار؟ ..." 
محمد شوقي الزين 

فعلاقة الفكر بالإنسان هي ليست علاقة الفكرة بالبشريّ، و ذلك أنّ الأخير عليه أن يطبّق ما يصل إليه عقله حتى يصبح في درجة الأوّل، لكن هذا قد تم قلبه من طرف أصنام الثقافة، فأصبحت المادة التفكيرية تقاس على حسب عمر صاحبها، حتى و لو كانت تتغذى من السخافة أكثر من الثقافة نفسها. 
و الاعتقاد السائد بأنّ الدولة هي التي تربي الأمة هو مردود على قائليه، و التاريخ الشاهد الذي لا يموت، على أنّ الأمم هي التي تبني دولا، و ما نتائج التطوّر سوى خاتمة لعمل جاد طويل الزمن، فالحياة تعطي من يعطيها، و تحنّ على من يحنّ عليها، و تجعل السعادة بين يديّ من يسعدها، و هذه الأمور ليس من الهيّن إدراكها أبدا. 
سفر طويل يبدأ من أوّل فوتون يسقط على العين اللطيفة، و خلال الطريق هناك الكثير من المصاعب، و الكل يدرك أنّ السير فيها محفوف بالأخطار قبل المخاطر، و مع ذلك يسير عليها البشر دون إنذار مسبق، و دون تحذير من الحكيم اللئيم، فلا يمكن أن يسعد الجميع، و الموت يحاصر اليأس من كل جانب، و لا يمكن أن يحزن الجميع، و القوة في تزايد لفئة على حساب الحياة، و لكن الإنسان اختار أن يكون ذاك الشقيّ السعيد، على أن يبقى بشريا مشرّد الفكر، و ناعما بحالته البائسة. 
فتطوف الأحلام بالمساكين، مساكين من نوع خاص، هؤلاء الذين اختاروا أن يعيشوا لعقولهم و بها، و أولائك الذين أرادوا أن يحفظوا نِعَمَ التركة المرهِقة، على أن يضيّعوها في سبيل سعادتهم اللحظية، و يا له من اختيار يثير العجب!! 

".... عندما تظهر المرأة المسلمة بالبكيني على البلاج العمومي، فإنّ هذا لا يعني أنّ المجتمع الإسلامي قد غير ملبسه، بل إنه قد بدأ يغيّر اتجاهه الأصيل مستعيرا دوافع التعبير من مجتمع آخر دون أن يشعر....." 
مالكـ بن نبي 

لحظات العجز هي التي تجعل من البشريّ حيوانا هائجا، حينها ينام العقل، و لا يدرك أنّه قد وضع غطاء على عقله النائم، و هذا ما يجعله يبقي الغطاء فوق عقله ما دام حيا، و كأنّ الحياة مجرّد ملهاة. و مع ذلك هناك الكثير من أفراد الفلسفات، الذين يعطون ما ملكوا من أجل أن تبقى عقولهم قادرة على الأخذ بناصية الطريق، طريق الحياة، فالعبد هو عبد في عقله، و السيّد هو سيّد به و عليه. و على هذا الأساس فالشقيّ هو الذي عليه أن يصبر من أجل ما أختاره في هذه الحياة، فبعض اللذة في سبيل التعاسة هي أتعس من ألم قليل في سبيل المجد، ذاك الذي لا يسعى إليه سوى العظيم من بني الإنسان. 
ليس على الفرد الساعي في سبيل مبتغاه الأبدي أن يحزن، و ليس على المكتفي بالشهوات الزائلة أن يبتهج على الدوام، لأنّ من ركائز الحياة اللا-عدل الذي يؤسس للعدل الشامل. و الذي سيسع العالم ذات يوم. هذه هي سنة الله في الحيــــاة. 

السيّد: مــــزوار محمد سعيد