هل يشتري الرئيس الثقة بالتنازل ؟!

 

هل نعتبر ما يطرحه رئيس الحكومة على كتلتي وطن والوسط الإسلامي وبقية أعضاء المجلس بمثابة تنازل أم من باب المقايضة لتمرير الثقة ، وهل التراجع عن قرارات تَشبّث بها الرئيس باعتبارها المنقذ الأكبر لاقتصاد الوطن ما دعا أحد كبار المسؤولين في البنك الدولي إلى الإشادة بإجراءات الأردن الخاصة بتصويب أوضاع الموازنة إضافة لشركة الكهرباء .
نحن جميعا نرفض خطة الحكومة برفع أسعار الكهرباء ضمن الخطة المنشوره في صحيفة العرب اليوم سابقا، لأن المتضرر الأكبر سيكون المواطن من الطبقتين الدنيا والوسطى ، فالمقتدرون لا هَمّ لديهم اذا تحملت موازناتهم شهريا مئة دينار او مئة وخمسين دينارا ، لا ان نصف هذا المبلغ سيكون كارثيا على المواطن الذي دخله لا يزيد على 700 دينار أو حتى 800 دينار وهم يشكلون ما يزيد على 93 % من مواطني المملكة . .
الأساس أن يتمسك الرئيس بالبرنامج الذي طرحه ، وأن يكون مقتنعا قناعة مطلقة بما قاله وبما وضعه في برنامجه على اعتبار أنه منهجه وتوجهه ورؤياه ، فأي تراجع أو غخلال بأي بند فيه يعني اختلال البرنامج، وبالتالي اختفاء الرؤى التي من المفروض أن تكون من الثوابت الاصلاحية بمعناها الحقيقي والشامل والوحيد.
لغة الرئيس يجب أن تكون إقناعية لا تنازلية ، وإلا لِمَ هذا الأمر من أساسه ، لِمَ لَمْ يُحسم بالنقاشات الأولية مع النواب؟ الرئيس النسور الذي شبع من المناصب والمواقف والمواقع ، وتمرّس عمل النواب وطروحاتهم، يقع اليوم بخطأ التناقض مرة أخرى ، حيث كان بإمكانه التمسك بما طرح ما دام مقتنعًا به ، حتى ولو أدى الأمر إلى عدم كسب الثقة من مجلس النواب ، فهذا احترام للذات وللرسالة الاصلاحية التي يعتقد الرئيس انها تمثلت ببرنامج الحكومة ؟ .
الرئيس يخونه ذكاؤه مرة أخرى ، فخطابه للنواب "بعدم خذلان الملك" إشارة واضحة لاقحام الملك في مسألة الثقة بغض النظر قصدها الرئيس أم لم يقصدها ، فما أراده الملك من كل ما يتعلق بالحكومة البرلمانية هي تفويض الصلاحيات للنواب في اختيار الرئيس حتى يتقدم مفهوم الاصلاح الحقيقي خطوة إلى الأمام بإدخال النواب والحكومات في أجواء الحكومات البرلمانية الحقيقية التي تتشكل من الأحزاب والأغلبية داخل المجلس، ومعنى التشاور والاتفاق وبالتالي المراقبة،
لا تقحموا الملك ، فإذا كانت المواد 34،35، 36، محور الاصلاح عند العديد من القوى والتيارات ، فإن ما طرحه الملك مقدمة حقيقية نحو تطبيقها وتنفيذها ، علّها تجد من يستوعب ذلك ويفهم أبجديتها وبالتالي نتائجها ، موضحا ذلك بالأوراق النقاشية وخطاب العرش وكتاب التلكليف ، ليحاول بعضهم إعادة لبس عباءة الملك مرة أخرى وإعادة خلط أوراقها .
سجال النواب الماراثوني مع الحكومة عبر الشهور الماضية غير مقنع ، لا من الديوان ولا من الحكومة ولا من النواب، مع الاعتذار لشيوخ المجلس ، وهذا دليل على أن تفويض صلاحيات الملك يجب ان لا تمنح إلا في حالة النضج الكامل في الديمقراطية الاصلاحية التي تحتاج للوقت والمناخ المناسبين، حتى لا تضيع البوصلة فنعود مرة اخرى باتجاه الملك نطلب منه الخلاص . طرحنا الأمر سابقا على دولة الرئيس ، وقلنا دع البرنامج أن يكون الأساس لا الشخوص، فإذا اقتنع النواب بالحوار والنقاش فعلى بركة الله، وإذا لم يقتنعوا فإن كرامة التاريخ المهني وحرمة الرؤى والتوجهات تحول دون التراجع والتنازل وبالتالي الاستمرار حتى ولو كلف ذلك حجب الثقة ، فهكذا هو العمل الصادق وتجارب العالم كثيرة .