كيف لهذه الحكومة أن تحوز الثقة؟؟


المستمع لردود النواب على بيان الحكومة يخلص لاستحالة حيازتها على الثقة. لم ينجُ مفصلا من مفاصل البيان من النقد الشديد. ناهيك عن القضايا الملحة والهامة التي أغفلها البيان وأبرزها النواب طالبين النظر بها. وهناك شبه إجماع على عدم وجود الإرادة والنية بالإصلاح الحقيقي والمطلبي لدى هذه الحكومة. الجميع أشاد بجمال البيان من الناحية اللغوية التي تعج بأدوات تلامس أوتارا تهيّج العواطف وتبعث الشعور بالراحة للوهلة الأولى لدى سامعها, لكنها في الواقع لا تلامس الواقع المر, ولا تحاكي المطالب العاجلة, ولا تستجيب للمطلب الشعبي الأردني, ولا ترقى للإقتراب من الرغبة المتزايدة لدى الأردنيين, ألا وهي إعادة الحق لأصحابه والمتمثل بجلب كل برمكي ودخيل ومخصخص وسارق للمساءلة والقصاص.
لقد ورد الكثير من التوصيف والتشخيص لقضايا ينتظر المواطن قول القضاء بشأنها وشأن خالقيها ولم ترد في البيان آلية العلاج ولا العزم الصادق ولا النية الخالصة سيما وأن هذه القضايا هي ما يقلق الشارع المتحرك والملتهب وهي السبب والدافع للإنفجار الأردني. ولم يعد خافيا أن المواطن لم يعد بمقدوره الصبر والتحمل والصمود تحت نير الأسعار ورفعها الموعود وكأننا نعيش بدولة مثل فنلندا. وأهم هذه القضايا التي ما زالت عالقة, الفساد وأزلامه واسترداد الأموال التي يدفعها المواطن مرة عند سرقتها وأخرى بتعويضها قسرا من جيبه. وإن أحدهم أشار لفاسد يطالبنا دولة الرئيس بإحضار الأدلة والإثباتات وكأن الأجهزة الأمنية والرقابية وديوان المحاسبة ورؤساء الحكومات لا يعنيهم الأمر بقدر ما يعنيهم مدى الأستفادة والتربح.
البيان الحكومي لم يتجاوز ذر الرماد بالعيون التي تراقبهم على مدار الساعة بقصد كسب الثقة والحصول على تصريح المرور من خلال النواب باتجاه المزيد من التغول والضغط والإفقار. إن شاءت الأقدار وحازت هذه الحكومة على الثقة وإن بصعوبة, فهل ستحوز على ثقة الشارع والشعب بكل أطيافه؟؟ وهل سيبقى الشعب ساكتا عن حكومة عملت وتعمل على زيادة أعبائه وإذلاله وهدر كرامته وتمضي بالوطن نحو مستقبل غامض المعالم؟؟
حاول الرئيس استدرار عطف وتعاطف النواب برمي الكرة بمرماهم وبشيء من التهديد المبطن والوعيد المعلن والتلحّف بعباءة الملك عند طلبه من النواب ألا يخذلوا الملك على اعتبار ان هذه الحكومة من اختيار الملك. وقد تغافل دولته أنه تفاخر في السابق أن اختياره جاء بعد مشاورات مع النواب. وتغافل أيضا أنه لم يمنح الثقة للحكومات التي اختار رؤساؤها جلالة الملك شخصيا. وبهذا يحلل لنفسه ما يحرّمه على غيره. تناقض وتخبط وإفلاس وتشبث بالسلطة لآخر لحظة تدوس كل المبادئ والمثل والقيم. أخلاقيات يتورع عنها أصحاب المناصب العامة في دول يتحكم بها أشخاص خارجون على القانون بنفوذهم ومالهم وسطوتهم كبعض دول أمريكا اللاتينية. وكما تقول الحكمة من فمك أدينك وليس تقوّل ولا دسٌّ ولكنها حقائق نعيشها.
وإن كان دولته يعوّل على موروث الحكومات بنيلها الثقة دون عناء وبمنتهى السهولة, فلسوء طالعه ولسوء تخطيطه وقصور حساباته ها هو يصطدم برياح النواب العاصفة والعاتية التي لا أعتقد أنه يستطيع الصمود أمامها لشدة ما جاءت بما لا يرغب به دولته. ولذلك الأجدر بدولته بعد سماع ما سمعه من ردود شرسة وعدم رضا وانتقاد وتقريع من النواب, أن يكون شجاعا وجريئا كما عهدناه ويحفظ ماء وجهه ويقدم استقالته مخليا المكان لمن هو أقدر على تلبية مطالب الشعب.
وإن لسبب من الأسباب ولتوليف أو لصفقات ومقايضات واتفاقات تعقد في الظلام حاز دولته على الثقة, فذلك يعني الحكم بالإعدام على مجلس النواب غير الحائز على الثقة التامة من الشعب. وهذا بدوره سيخلق مناخا من الحيرة والتردد والإرتباك للنواب الذين سيقعوا بين نار الحكومة التي منحوها الثقة ونار الشعب الذي يتوقع منهم ممارسة دورهم الرقابي والتشريعي. فهنا لا محالة من الإكتواء بأحد النارين. وعندها اللوم بالغالب سيوجه للنواب التي اعتمدت على ثقتهم الحكومة واعتبرت نفسها بحل من أمرها لتصنع ما تشاء. وكذلك الشعب سينظر لنوابه على أنهم ألعوبة ولا يمثلوه بصدق وأمانة. والنتيجة هي الفوضى وفقدان تام للثقة وتشكل قناعة عند الناس بأن الحكومة والنواب بخندق والشعب بخندق آخر.
المخرج الأسلم والأجدى من هذا المأزق هو نزول دولة الرئيس عند الواقع والتجاوب مع المطلب النيابي والشعبي القاضي برفض مثل هكذا حكومة لأنها لا تلبي الحد الأدنى لما يطمح له المواطنون. ولو تحلى دولته بالواقعية وأخذ العمر بالحسبان ـــ أطال الله عمره ـــ لتوصل إلى أنه من السهل جدا تجنب الدخول بالصراعات والإبتعاد بالوطن عن كل ما يثقل كاهله ويزيد همومه وأعباءه.
بعد هذا الجَلْد والنقد اللاذع وبيان مواطن الخلل التي أبرزها النواب وتدين الحكومة والشعبية التي لا تتجاوز الـ 5% والمتمثلة بمن خدمهم دولته أو وعدهم بخدمة أو توزير أو تعيين أو تنفيع, هل بقي عند دولته هامش من الأمل بحيازته الثقة؟؟
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com