من شرفات مجلس الأمة.. ماذا سيسجل التاريخ؟



تغيّب "التاريخ" منذ زمن عن شرفات مجلس النواب، لإدراكه التام أنها مجالس هامشية لا حول لها ولا قوة، وأن جلسات "الثقة" باتت أشبه بمسرحية تراجيدية، يتباكى من خلالها البطل الأوحد طالباً الرحمة، والشفقة من ممثلي القواعد الشعبية. لعلّهم يمنحونه فرصة أخيرة، يداوي من خلالها جراح الفقراء والمساكين، التي تهالكت بفعل الممارسات الاقتصادية الخاطئة.

وفي الوقت الذي يستعدّ فيه نواب مجلسنا النيابي للوقوف على منصّات المجلس، لمناقشة بيان الثقة للحكومة الجليلة، والذي يبدو أنها نسخة مكررة عن سابقاتها من الحكومات. و التي لم تأت إلا بالنّزر اليسير من تطلّعات الشعب، ولا يعلم المواطن مدى تطبيق الجزء اليسير منها أم أنها تتطاير في السماء كسابقاتها. وبالتالي لن ينظر الشعب إلى هندام النائب ونضارته، وابتسامته، ليسجل له عبارات الإعجاب على صفحات التواصل الاجتماعي الفيسبوك والتويتر، بل سيحاسب على كل عبارة يتفوّه بها سوى كانت مدحاً أو ذماً.

إذن لن يكون الشعب وحيداً في الاستماع لجلسات الثقة، بل سوف يجلس ضيفاً آخر في شرفات المجلس ألا وهو " التاريخ" الذي لا يرحم كل نائب يضعف أمام الحكومات، ويخذل الشعب الذي انتخبه على أساس الدفاع عن حقوقه ومتطلبات حاجاته اليومية التي أوشكت على النفاذ، وبالتالي لن تكون الكاميرات التلفزيونية هي الراصد الوحيد لكلمات السادة النواب، فهناك عيون شعبية شاخصة ترتقب ممثليها، لعلها تساعد التاريخ في اتخاذ قراره الذي سيدّون في صفحاته لفترة من الزمن.

لا بدّ أن يتجرّد بعض السادة النواب من كل المغريات، والهدايا، والعطايا، والتي من المفترض أنها حسب ـ ما يروى ـ باتت في طور الإعداد، لتغير من قناعاتهم، وبالتالي تنزع منهم الشرعية التي اكتسبوها من قواعدهم الشعبية، وأما البعض الآخر يستشعر المسؤولية الملقاة على عاتقه في اتخاذ قرار منح أو حجب الثقة، ولأنه يدرك أن قراره سوف يستنزف أو يزيد من رصيده الشعبي.

لن يغّفر معلمو اللغة العربية وأساتذتها في التلاعب اللفظي الذي سوف يمارسه بعض السادة النواب عندما يمنحون الثقة للحكومة، مثل عبارة "مليون ثقة" و"الموت مع الجماعة رحمة" و"ثقة ونص" والتي تثير السخط مابين القواعد الشعبية، وكأنه استخفاف في عقولهم، ويجزمون حينها أن نائبهم بالفعل التحق بركب المدّاحين والمطبّلين، والمزمرين لقرارات الحكومات مقابل بعض المكاسب الشخصية.

إذن النواب في مواجهة من نوع مخّتلف مع " التاريخ" الذي سيرسل بأوراقه تباعا عبر السنوات القادمة، لكل نائب تغزّل بالحكومات بدون وجه حق سوى الحصول على منفعة معينة، ولكل نائب ذمّ الحكومة وفريقها، لأنها رفضت مطلباً غير محق له، فنحن نعيش في وطن عانى من المراهنات والمراهقات السياسية، والبرامج الاقتصادية المزعومة، وبتنا نعيش فوضى اجتماعية حقيقية أربكت نسيجنا الوطني.