عهدة مراكز الإصلاح إلى العدل

طال الحديث كثيرا خلال السنوات الأخيرة عن ضرورة نقل عهدة مراكز الاصلاح والتأهيل المناطة حاليا بمديرية الأمن العام لتصبح ضمن مهام وزارة العدل، إلا أن هذه الخطوة لم تتحقق بعد مع أن الظروف مواتية لجعلها منطلقا حضاريا معاصرا في التعامل مع من توصلهم مصائرهم الى قضاء العقوبات المتخذة بحقهم خلف قضبان السجون، فمن حقهم ضمان احترام آدميتهم وحسن التعامل معهم وتأهيلهم إلى ما بعد الإفراج عنهم لأن ذلك يعكس مدى تحضر أية دولة وسيادة القانون فيها!
بعض ما يحدث داخل مراكز الإصلاح بين الحين والآخر من تعاملات مع النزلاء قد يعود إلى عوامل فردية الا أنه يسبب وجعا لا يهدأ لرؤوس الأجهزة الرسمية ذات العلاقة، ما يتطلب البحث الجاد في وسيلة ذات طابع عصري في تحديد طبيعة المسؤولية عنها، لتبعدها أكثر عن التماس الأمني المباشر الذي تختلف الآراء فيه على الرغم من التطورات التي شهدتها عملية الرعاية لأمثال هؤلاء ممن ساقتهم أقدارهم الى حجز حريتهم لفترات يحددها القضاء، من خلال تنفيذ برامج إنسانية وقانونية ومهنية تؤدي الى الخروج بهم من محنتهم إلى فضاء الحياة الطبيعية!
وزير الداخلية طالب صراحة في كلمته أمام "المؤتمر الوطني للاصلاح الجنائي نحو استراتيجية وطنية لتطوير المنظومة الاصلاحية" الذي انعقد في عمان مؤخرا، بضرورة نقل مسؤولية مراكز الاصلاح والتأهيل الى وزارة العدل عبر برنامج يتم من خلاله التأكد من الجاهزية لاستلامها وهذا ما أكدت السياسات الحكومية منذ سنوات، إلا أن مثل هذه النقلة النوعية في التعامل مع ملف نزلائها لا يمكن لها أن تتحقق دون العمل الجاد نحو استكمال الخطوات التمهيدية لها على نحو يتطلب القناعة والجدية حتى يمكن أن تتحقق على أرض الواقع في أسرع فرصة ممكنة!
المؤتمر الوطني للاصلاح الجنائي لم يغفل في مناقشاته المستفيضة التي تمت على مدار يومين الدعوة الى التفكير أيضا في تأسيس بدائل للعقوبة السالبة للحرية لما لها من آثار مادية ونفسية بالغة السوء على النزيل وأسرته وأطفاله والمجتمع عموما، نظرا لأن ذلك يسهم في تخفيض أعداد النزلاء المودعين في مراكز الاصلاح سنويا وتخفيف الأعباء عن الجهات التي تتولى مسؤوليتها، حيث تشير التقديرات الى أن المعدل اليومي من نزلائها في الأردن بلغ خلال العام الماضي 7530 نزيلا، تصل كلفة الواحد منهم الى حوالي سبعمئة دينار شهريا، ما يعني أن المبلغ الكلي المصروف عليهم سنويا يعادل ثلاثة وستين مليون دينار وهي تكاليف باهظة في ظل أزمة مالية حكومية.
ربما تكون الاستراتيجية التي تم الاعلان عن إطارها العام لمراكز الاصلاح والتأهيل خلال الأعوام "2013م-2015م" منطلقا إلى الشروع في اتخاذ الاجراءات اللازمة لنقل عهدتها الى وزارة العدل، بما يتماشى مع المعايير الدولية ومواثيق حقوق الانسان المعتمدة في هذا الشأن ويرتكز على مضامين النهج الاصلاحي الجنائي العصري، من خلال ممارسات فضلى تطوي ملف أحداث ومخالفات يفترض أن تنتهي الى غير رجعة!