الأمن .... غياب الحكمة أم تدبير مقصود؟؟


الأمن مطلب إنساني ضروري يعني غياب ما يهدد حياة الإنسان ويحمي ممتلكاته ويجعله يتحرك وينطلق دون أدنى حساب لوجود خطر. نؤمن بفرض الأمن عندما نواجه حالة من الفوضى والتمرد يمكن أن تتطور لما هو أسوأ. لم يؤمن الأردنيون يوما بأن الفوضى هي الحل لنيل مطالبهم وهذا راجع لطبيعة الروابط الإجتماعية التي تطغى على سلوكيات الأفراد التي تجمعهم روابط العشيرة والعلاقات بين العشائر المشكلة لسواد المجتمع الأردني. لكن لا بد من وجود من يقعوا ضحايا للتضليل من قبل جهات تحرص على الإثارة وإدامة وجود أسباب الميل نحو الفوضى والخروج عن المألوف واختراق السقوف وهي أمور لم يعتد عليها الأردنيون وهي ميزة وليست مثلبة.
مكافحة الشغب والوقوف بوجه المظاهرات بحجة الحفاظ على الأمن وحماية المصالح والممتلكات لن يجديا نفعا طالما أن المتظاهرين لا يلمسوا تغييرا ولا تحقيقا لمطالبهم بل الوقوف عكس تيارهم يخلق لديهم حافزا ومثيرا يؤدي لإصرارهم على موقفهم ويجعلهم أكثر مثابرة مما يخلق لديهم الشعور أنهم أمام تحدي من قبل قوات الأمن. وقوات الأمن هي الأخرى بدورها يتعزز لديها الشعور والإيمان بدورها كحارس وحامي للأمن ومقاومة من يخالف سيرها دون الإلتفات للأسباب المؤدية لهذه الحالة بل يصبح الهدف هو كيفية الخروج من الحالة التي هم بصدد التعامل معها.
عند معالجة أية مشكلة أمنية أو غير أمنية، إذا لم يبحث عن أسبابها ومعالجة هذه الأسباب، نكون أمام حلول سريعة أو أنصاف حلول تتعامل مع النتائج فقط مع بقاء مسببات هذه النتائج وقابليتها لأن تعيد الأمور لحال أسوأ من ذي قبل. وبهذا نكون قد عملنا بالمثل القائل " أخذ السولافة من الآخر". أي أننا تعاملنا مع الحدث بجزئيته التي تدين طرفا ما وتنصف الطرف الآخر. وبذلك يكون جزء من الحقيقة مغيبا وبالتالي يكون الحكم النهائي غير منصف.
لقد سقنا هذه المقدمة على خلفية ما يسمى "رفض 21" وطريقة المعالجة من قبل الأمن العام في إربد. لقد تم منع المسيرة من الوصول إلى ميدان وصفي التل حتى لا يتم التصادم مع ما يسمون بالموالاة. لقد تأذى من تأذى بغض النظر عن الأسماء والألقاب والمواقع. واستعمل الغاز المسيل للدموع وصار الناس بين هرج ومرج. رغم إيماننا بأن الأمن يجب أن يكون مهابا ورغم دعواتنا المتكررة السابقة وفي بداية الإنفجار العربي بضرب المحرضين والمخططين للفوضى بيد من حديد, إلا أننا ربما نختلف على الأسلوب, إذ كان بالإمكان تحاشي التصادم بين رجال الأمن والمتظاهرين.
يعلم قاصينا ودانينا أن الشعب محتقن والحكومات تتسابق على رفع الإحتقان, والإصلاح صار غودو(Godot) انتظرناه ولم يأتي والفاسدون كخضراء الدمن لا هُمْ اقتلعوا ولا تربتهم عولجت. كما أن قمحنا فاسد كفساد من وافق على شرائه, ودواءنا لا يكفينا بسبب حاتميتنا بالكرم وماءنا يتناقص والموجود منه قابل للتلوث بحوض يعلوه اللاجئون لتختلط مخلفاتهم وترسو بمياه الشرب. وجميعنا يعلم أن من يدير شؤوننا يستجدي العطف ويستبكي الناس بتمجيد نهجه وإخلاصه ويحاول استقطاب التأييد بالإسراف بالوعود والنية الخالصة بالقضاء على كل ما يكدر خاطر من يزورهم. وتلك لوازم لا يغيب إدركها عن الشعب الواعي بأنها تمهيد وتوليف لكسب التأييد المؤدي لترسيخ النهج المستخف.
كان من الأجدر أخذ هذه المعطيات والحقائق بالحسبان عند التعامل مع المتظاهرين حتى لا يقال "جنت على نفسها براقش" وندخل بجدل بيزنطي مع منظمات الرقابة التي همها تسجيل الهفوات صغيرها وكبيرها. ما المانع من الأخذ بالمثل القائل " إقلع السن واقلع وجعه"؟؟ الألم أخذ مأخذه منا والمسبب بات معروفا فلماذا الوقوف مكتوفي الأيدي؟؟
ألم يكن من الأسهل والأجدى التفاهم مع من يسمون بالموالاة بأن يبتعدوا عن ميدان وصفي التل تحاشيا لاستخدام القوة والتصادم؟؟ ألم يكن الأفضل التركيز على التعامل مع الموالاة درءا وتجنبا للتصعيد والإثارة وزيادة الإحتقان؟؟ يبدو أن الحكمة غابت عن إدارة الأمن التي نقدر ونحترم. والمتظاهرون تم خلق أسباب إضافية للأسباب القائمة لديهم من إستفزاز ودفع للإصرار على وصول الميدان. ولا ننسى الجهة المهيمنة والمحركة للتظاهر وما ترمي إليه. نحن لا نؤيد الفوضى ولا الإستقواء على هيبة الأمن والدولة لكن من الإنصاف أن نبحث بالنتائج وأسبابها. فالأسباب واضحة وهي مطلبية جاءت نتيجة لعقلية الإستخفاف. والأسباب هي ما تم القفز عنه من مسببات أحداث أيام الجمعة من كل أسبوع.
ليس من ثقافة الأردنيين وإرثهم ولا من قناعتهم الخروج للشوارع والهتاف بشعارات خارقة للسقوف. والطبيعة التركيبية التي أضفتها الروح العشائرية تنفر من المناكفة والتصادم مع الدولة ولا ترى به الترياق, لكن تم دفعها دفعا بعد أن تيقنت أن نفورها من المناكفة أصبح هو السبب بتحييدها وتهميشها والإستخفاف بها. إذا لا بد من وجود أسباب هي التي جعلتنا أمام حالة من الرفض المستمر والتذمر الدائم. فهل عولجت هذه الأسباب وهل بحث عنها بالمقام الأول؟؟ لو حصل البحث وشخصت الأسباب وعولجت، فلا بد ستغيب حالة العصيان والرفض. لكن هناك على ما يبدو برأينا المتواضع إصرار على معالجة النتائج مع التعامي عن اجتثاث أسبابها حتى نبقى نعيش بدوامة لا يستفيد منها إلا من خلق أسبابها ليلعب لعبته بغفلة من المعنيين. ونقول ناصحين من منطلق حرصنا على الوطن وحتى لا يتبدل غياراه وينقلب بهم اليأس لأدوات لا تعمل على جسر الهوة بين الدولة وقوى التقويض والتركيع والتوطين.
الإعداد والتجهيز لكيفية التصدي للمظاهرات كهدف لن يعودا علينا بالأمن. وهو حل مؤقت سرعان ما ينتهي بانتهاء نهار يوم الجمعة للبدء بالتجهيز للجمعة المقبلة. الأجدر بالدولة والأجهزه الأمنية البحث عن الأيدي المسببة وقطعها وقطع رؤوس أصحابها إذا لزم الأمر. أما استمرار مسلسل المظاهرات والمسيرات والإعتصامات والإحتجاجات المتزايد لن يأتي إلا بالمزيد من الخسائر والإضطراب والإنتقاص من هيبة الأمن ومن وقار الدولة. ودولة تفقد وقارها وأمن يفقد هيبته مع وجود غياب الثقة المتجذر أصلا، فذلك يعني أننا نسير نحو مجهول نسأل الله أن يجنبنا شروره.
الشارع يطالب بالإصلاح ولا إصلاح يتحقق وإن تحقق القليل جدا منه فهو لا يحاكي ما يطالب به الشارع بل يحاكي مطالب الأحزاب وعلى رأسها الحركة الإسلامية مثلما يحاكي مطالب صندوق النقد والبنك الدوليين ويلجم منظمات حقوق الإنسان ويعفي الدولة من النقد والإدانة عالميا. فالشارع لم يلمس ما يعالج مشاكله العالقة من تدني مستوى المعيشة والغلاء والفساد والفاسديين والمحسوبية. مايسمعه المواطن هو النية والعزم على الإصلاح ومحاربة الفساد لكنه لا يلمس ما يحقق طموحه ويسترد حقوقه المسلوبة.
المظاهرات والمسيرات الإحتجاجية وحتى مسيرات الولاء التي هي بحد ذاتها احتجاج على طرف أخر، كلها أصبحت ظاهره في الأردن تستدعي الدراسة والتحليل للوقوف على الأسباب ومن ثم الولوج بالعلاج. وهناك اجتهاد أمني بحت بمعالجتها دون الوقوف على الأسباب مما يعني أن هناك إرادة واضحة بالحفاظ على استمراريتها لإلهاء الناس وتقسيمهم بين معارضة وموالاة. إذا لم بلورة الأسباب التي بات يعرفها ويدركها الأردنيون من مثقفيهم وحتى أطفالهم، ولم يتم العمل على إزالتها، فلن تهنأ الدولة بالراحة ولن يهنأ الشارع بالإستقرار ولن يهنأ الأمن بيوم الجمعة كيوم عبادة وراحة واستجمام .
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.