مــقـــــــــال

ما بين الفريقين مشهور ألجازي وسعد الدين الشاذلي

في الحادي والعشرين من آذار الماضي مرت على الأمة العربية الذكرى الخامسة والأربعون لحرب يوم الكرامة المجيد، الذي خاضه الجيش الأردني الباسل والفدائيين الفلسطينيين الأبطال، وقد تصادف مع عيد الأم في ذلك اليوم الخالد، حيث أراد الصهاينة للأمهات العربيات أن يبكن في ذلك اليوم، وتقدم لواء صهيوني من نخبة جيش العدو يقوده الجنرال المتغطرس الأحمق موسى ديان، الذي امتلأ غروراً بعد نكسة حزيران الأليمة عام 1967، ورغم أن تلك الحرب لم تنتهي بقرار وقف إطلاق النار، حيث بدأت بعد ذلك حرب الاستنزاف، بعد النكسة مباشرة، وكانت باكورة أعمالها المجيدة معركة رأس العش وإغراق المدمرة الصهيونية إيلات، واستمرت تلك الحرب ثلاثة أعوام حتى مبادرة وليم روجرز الشهيرة عام 1970.
وتقدم الجنرال الصهيوني ديان وقطعانه من الصهاينة نحو بلدة الكرامة الحدودية لهدف واحد وهو القضاء على الفدائيين الأبطال الذين لم تتوقف أعمالهم الفدائية المجيدة منذ النكبة، وزادت حدتها بعد النكسة وفقدان ما تبقى من الوطن، وأعلن المجرم موسى ديان بأنه سيقضي على الإرهابيين كما وصفهم بجولة سياحية، يتناول خلالها طعام الغداء على جبال السلط الأردنية، وبالمقابل كانت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني غولدا مائير تصرح أمام الصحافة الصهيونية في العالم بأنها تشم رائحة أجدادها في خيبر.
ولكن ما فوجئ به المجرم ديان كانت مقاومة الفدائيين الأبطال الذين استبسلوا، ودخول الجيش الأردني بالمعركة بقيادة الفريق البطل مشهور حديثة ألجازي رحمه الله ، الذي وقف برجولة عز نظيرها، ورفض ما جاءته من أوامر عليا بعدم التدخل في تلك المعركة، كما قال بشهادته التاريخية على العصر عبر أحد القنوات، ودخل المعركة وكان عنصراً مهماً بحسم نتيجتها بأسرع وقت ممكن وتلقين الجنرال الأحمق ديان درساً لن ينساه.
وبعد هذه التضحيات يتعرض القائد الكبير مشهور حديثة ألجازي لتجاهل ومحاولة إقصاء متعمدة ولا غرابة في ذلك، لأن يوم الكرامة الذي صنعه الأبطال للأسف يتاجر به من باع تضحيات الجنود الأردنيين والفدائيين في أوسلو ووادي عربة، وشيء طبيعي أن يحاولوا إقصاء الفريق مشهور ألجازي بطل الكرامة بلا منازع ، تماماً كما حدث مع رفيقه الفريق البطل سعد الدين الشاذلي رحمه الله الذي جرى تجاهل دوره لأكثر من أربعون عاماً، وعندما منح وسام قلادة النيل للأسف كانت محاولة فاشلة من المدعو مرسي العياط لخداع الشعب ، للمتاجرة باسمه أمام الشعب المصري والعربي، بعد ثورة 25 يناير العظيمة.
والشعب هو من يعرف قيمة ما قدمه الفريق سعد الدين الشاذلي، والذي لولا تدخل السادات السافر لتغير وجه الشرق الأوسط في تلك الحرب المجيدة، وفي نفس الوقت جرى تكريم الخائن أنور السادات من قبل تجار الدين إياهم، لتكون الأولى (تكريم الشاذلي) لأجل خداع الشعب المصري، وتكريم السادات الخائن لتكون رسالة لأمريكا والكيان الصهيوني بأن مرسي العياط وخط التأسلم على نفس نهج السادات، وأنهم قادرون على تقديم كل التنازلات المطلوبة للصهاينة وعلى نفس نهج النظام السابق (السادات – مبارك)، ولا جديد على السياسة المصرية الخارجية.
وكما تعرض الفريق مشهور الجازي رحمه الله للإقصاء وتجاهل دوره الذي اعترف به العدو قبل الصديق، تعرض أيضاً الفريق سعد الشاذلي لنفس الشيء، الذي حاول السادات شراء ذمته وعينه سفيراً في أهم الدول الأوروبية، ولكن الرجل لم يسكت وخرج على نظام السادات وفضح خيانته ومؤامراته، وألف كتاباً يعتبر من أهم المراجع في هذا الشأن عن حرب أكتوبر، وكما جاءت شهادة الفريق ألجازي على العصر، وذكره للحقائق كما هي بدون أن يجامل أحد، لأن مصلحة الأمة فوق كل الأشخاص والسياسات.
وأتساءل أليس من المؤسف أن يتم تجاهل هذين القائدين في بلادهم لأن ضميرهم الوطني النابض بحب الأمة لم يقبلوا أن يكونوا شهود زور، وكلاهما قدم نموذجاً لعبقرية القيادة العربية المطلوبة في هذا العصر، وإقصاءهم وتجاهلهم كانت عملية مقصودة حتى لا يبقى على الساحة العربية إلا أولئك القادة الذين لا يعرفون شيئاً إلا عبدا مأمور.
معركة الكرامة التي اقترن اسمها بفارسها العظيم الفريق مشهور ألجازي، كما اقترن حرب أكتوبر باسم الفريق سعد الدين الشاذلي، ولم يستطع محرفوا التزوير ومشوهي الحقائق وكتبة التدخل السريع من شطب أسماء هذين القائدين العظيمين، الذين ما أن تذكر تلك المعركتين الكرامة وأكتوبر، إلا وكانت أسماء ألجازي والشاذلي في قلب الحدث، وعنوان الحديث، وكلاهما قدم كما أسلفت نموذجاً بعبقرية القيادة، وكلاهما أصبح هدفاً للصهاينة بإقصائهم بواسطة العملاء والأتباع، حيث لا يريد الصهاينة أن يتكرر يوم الكرامة، ولا حرب أكتوبر، الأول بزرع الفتن وضرب الوحدة الوطنية في الأردن ، تلك الوحدة العظيمة التي أفرزت نصر الكرامه كنتيجة حتمية لأي عمل قومي، أما الثاني حرب أكتوبر فقد تولى السادات المهمة عن الصهاينة بأن لا يتكرر يوم أكتوبر على الساحة المصرية على الأقل، وكان اتفاق الخيانة والعمالة الأولى الذي سبق جريمة كامب ديفيد ومهد الطريق لها، وهو ما عرف باتفاق (101كم) ، حيث كان الاتفاق أن تكون أكتوبر آخر الحروب وحل القضية العربية الأولى فلسطين والأراضي العربية المحتلة بالتفاوض حتى لو استمر مائة عام، وعلى هذا الأساس تم تجاهل دور الفريق ألجازي بحرب الكرامة، لكونه أصبح رمزاً للوحدة الوطنية، والفريق الشاذلي الذي قاتل على أساس خطة العبور غرانيت 200 التي وضعها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر مع قادته العسكريين ومنهم سعد الدين الشاذلي نفسه، ورغم كل حالة التحريف والتصحر السياسي وتزوير التاريخ، ولكن بقي القائدين الكبيرين ألجازي والشاذلي رحمهما الله موضع احترام وتقدير الشارع العربي من محيطه لخليجه.
رحم الله الفريقين البطلين مشهور ألجازي وسعد الدين الشاذلي، وكل شهداء الأمة العربية في الكرامة وأكتوبر وكل معارك الأمة.
عبد الهادي الراجح